دروس من حصار قطر
تجاوز مجلس التعاون الخليجي واحدةً من أخطر وأطول الأزمات التي عرفها منذ تأسيسه في عام 1981. وجاءت قمة العلا، يوم الثلاثاء الماضي، لتطوي صفحة ثلاثة أعوام ونصف العام من الحصار الجائر الذي فرضته كل من السعودية، مصر، الإمارات، والبحرين، على قطر، وكان يهدف إلى تقويض نظام الحكم. وإذ يسجل اليوم أن المجلس تجاوز الأزمة، ويتجه إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة، فإن الأمر الذي على درجة عالية من الأهمية هو أخذ العبر، والعمل، بروحيةٍ مختلفة، على ترميم البيت الخليجي، وتجاوز المفاعيل النفسية للأزمة، لأنها خلّفت جراحا في عموم منطقة الخليج، وهو ما يتطلّب وضع ضوابط جديدة للعلاقات الخليجية، وتحصينها من خلال عدم السماح لأطراف أخرى، لدسّ أنفها في شؤون البيت الخليجي، كما هو الحال بالنسبة للتدخلات المصرية. ومعروفٌ أن الإمارات هي المسؤولة مباشرة عن تفجير الأزمة، إلا إن أحدا لا ينكر أن مصر هي محرّض ومحرك أساسي لها. وحسب المعلومات المتداولة في الكواليس، بقيت القاهرة، حتى اللحظة الأخيرة، تعارض المصالحة الخليجية، وتتمسّك ببعض الشروط الـ13. ومع أن الأزمة انتهت رسميا في قمة العلا، فإن الدور الإماراتي في الأزمة يحتاج إلى مراجعة وتفنيد ومحاسبة، كي لا يقع مجلس التعاون في مطبّات جديدة، وذلك بالنظر إلى الممارسات السابقة للإمارات التي أرادت أخذ الأزمة إلى مسافات بعيدة، ليس أقلها إعلان الحرب على قطر، وجنّدت إعلامها أكثر من ثلاثة أعوام من أجل تشويه سمعة دولة قطر، وهز صورتها أمام العالم، وكلف ذلك إهدار كثير من الإمكانات والجهود، وترتبت عليه خسائر سياسية واقتصادية وآثار أضرّت بكل مناحي الحياة.
أصابت الأزمة الإعلام في المنطقة، وأفقدت بعض وسائل الإعلام المصداقية، حتى أن صحفا رصينة ومهنية وجدت نفسها وسط المعمعة، وسارت في مجاراة تيار البروباغندا والتهريج، مخافة الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولم تراع الإمارات الانعكاسات السلبية على إعلام منطقة الخليج، وقادت حملة في وسائل الإعلام التقليدية وعلى "السوشيال ميديا". كما وظفت إمكانات مالية ضخمة لتوجيه وسائل إعلام عالمية من أجل كسب رأي عام دولي ضد قطر التي تولت الدفاع عن نفسها بجدارة، ومن دون أن تنجرّ إلى مستوى وسائل إعلام الإمارات أو حملات "السوشيال ميديا" التي أشرفت عليها أبوظبي مع بعض المستشارين السعوديين. وعلى الرغم من الجانب السلبي للأزمة، فإنها كشفت عن الفرق بين الإعلام الذي يحترم نفسه ومتابعيه ويتمتع بأخلاقية مهنية، والإعلام الذي يقوم على عدم مراعاة المعايير والأخلاق المهنية. وساهم هذا الفرز في صعود الإعلام المحترم، وتراجع الإعلام الهابط.
وبمناسبة تجاوز هذه الأزمة، فإن دولة الكويت، بقيادتها وشعبها وإعلامها، تستحق تحية خاصة، لأنها تصرّفت حيالها من موقع الحرص على الأخوة الخليجية ووحدة مجلس التعاون. وبذل أمير الكويت الراحل، صباح الأحمد، جهودا جبارة من أجل تطويق الأزمة، ومنع تفاقمها، في وقت كان بعضهم يريد نقلها إلى مصافّ المواجهة العسكرية. وكان للوساطة التي قادها الشيخ صباح مفعولها على هذا الصعيد، ويشهد على أحد الأطوار الخطيرة من الأزمة تصريحه الشهير في سبتمبر/ أيلول 2017، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض، بأن "المهم إنه عسكريا أوقفنا إنه يكون شيئا عسكريا"، معتبرا أن "الأمل في حل الأزمة الجارية لم ينته". وما يبعث على الارتياح أن الإعلان الأول الذي صدر عن رفع الحصار عن قطر جاء من وزير خارجية الكويت قبل يوم من قمة العلا، وليس من الولايات المتحدة.