07 نوفمبر 2024
درس من محمد دحلان
طريفٌ من محمد دحلان أنه عرّف نفسه، في أوراق القضية التي رفعها في لندن ضد الموقع الإلكتروني "ميدل إيست آي"، بأنه "سياسيٌّ ورجل أعمالٍ وفاعل خير". لم يكن في وسعه أن يُخبر المحكمة بأنه يتزّعم تيارا إصلاحيا في حركة فتح، ليس فقط لأن دعواه بعيدةٌ عن قصة الإصلاح تلك، وإنما أيضا لأن قضاة المحكمة التي نظرت في القضية ربما كانوا سيلتفتون إلى صفةٍ كهذه غريبة الصلة مع موضوع الدعوى، وهو عن دورٍ مفترضٍ لدحلان في محاولة الانقلاب العسكري في تركيا صيف 2016، أقام المذكور الدعوى لينفيه، وليطلب تعويضا مادّيا من الموقع الإلكتروني البريطاني عن أضرارٍ لحقت بسمعته من هذا "الزّعم" في تقريرٍ نشره رئيس التحرير، ديفيد هيرست، أسبوعين بعد فشل محاولة الانقلاب، نقل عن "مصدرٍ تركي أمني رفيع" قوله إن الإمارات تعاونت مع مدبّري الانقلاب، وإن المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، كان الوسيط، فقد حوّل مبالغ مالية إلى المنشق التركي المطلوب، المقيم في أميركا، فتح الله غولن، قبيل الحركة العسكرية، بواسطة رجل أعمالٍ فلسطيني يقيم في أميركا أيضا.
كان من حق النائب الفلسطيني، محمد دحلان (ما زال نائبا!)، أن يُدافع عن سمعته، السيئة بحسب محامي هيرست في دفوعاتهم في المحكمة. وكان حسنا منه أنه توسّل القضاء البريطاني من أجل ردّ ما قال إنه أذىً لحق بشخصِه، المُدان غيابيا بتهم احتيالٍ وفسادٍ بحسب المحامين أنفسهم في الدفوعات نفسها. وللحق، اشتهيْنا، نحن إعلاميون كثيرون، أن نرى مبارزةً قانونيةً رفيعةً، يتبيّن فيها الباطل وغير الباطل، وأن نراقب أداء فريق المحامين لفاعل الخير، محمد دحلان، في مقابل أداء محامي صحافي بريطاني مخضرم، إن كنّا نمحضُه تقديرا عاليا لمساندته، منذ عقود، الشعب الفلسطيني، ولمناهضته إسرائيل، فذلك لن يعني، بأي حال، أن نُجيز له أن يفتئت على أي أحد، حتى لو كان محمد دحلان، وعليه أن يأتي ببرهانٍ على ما رمى به الرجل. اشتهينا هذا المشهد، القانوني والحقوقي والإعلامي، والذي كان سيصير درسا للمشتغلين في السياسة وفي الإعلام، في تعزيز ثقافة الحق والقانون، والبعد عن ارتجال المواقف والافتراضات.
بينما كان مرتقبا أن تبتّ المحكمة البريطانية حكمها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وقبيْل موعدٍ مقرّرٍ لتقديم طرفي القضية أوراقا وبياناتٍ لازمة، فاجأنا محمد دحلان، الأسبوع الماضي، بتقديم فريق محاميه إشعارا إلى المحكمة بوقف الدعوى، "مع قبول المسؤولية الكاملة عن التكاليف القانونية". وقبل أن نقرأ لديفيد هيرست إن تخلّي دحلان عن دعواه يعدّ نصرا للصحافة ولموقع "ميدل إيست آي"، قرأنا أن التكاليف الملزم فاعلُ الخير بدفعها تزيد عن خمسمائة ألف جنيه إسترليني، وقرأنا للأخير تغريدةً سوّغ فيها ما أقدم عليه بأنه "حقّق أهدافه من الدعوى القضائية أمام المحكمة البريطانية"، وهذه أحجيةٌ بالنسبة لنا، نحن المقيمين على سوء الظن بهذا الشخص، وسوءُ الظن من حسن الفطن، غالبا.
من بين حزمةٍ دروسٍ نتلقّفها، نحن المشتغلون في الصحافة، العربية بداهةً، من الواقعة الموجزة تفاصيلُها أعلاه، بعد أن حَرمنا دحلان معركةً قضائيةً مشهودةً اشتهيناها، لا سامحه الله، أن العنترية الفارغة تُهين صاحبَها، عندما يسوقُه تورّمٌ فيه إلى أوهام منازلة صحافةٍ حرّةٍ عالية المهنية، تعرف عملَها رفيع القيمة والأثر، تتسلّح في ما تنشره بالمؤكّد من معلومات، ولا تتنازل أمام تخويف المرتعشين الخائبين. وهذا ديفيد هيرست يقول، باعتزاز، إن تقريره ما زال منشورا في الموقع كما هو، و"إن ما جرى كان لإخافتنا، وعندما رآنا دحلان جاهزين تماما للدفاع عن أنفسنا تراجع".
إذن، كان ذلك التقرير الصحافي محقّا في إشارته إلى دورٍ للإمارات، في محاولة الانقلاب العسكري في تركيا على الرئيس أردوغان، عبر "الإصلاحي" في حركة فتح، محمد دحلان الذي قال محامو هيرست إنه يعمل لدى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، فيما كذب محاموه في قولهم إن علاقاتِه مع الإمارات عاديةٌ تماما، بدليل أنه سيدفع نصف مليون جنيه استرليني، فضلا عن أن الدرس الذي أحدثته قصّته هذه، للصحافة وأهلها، ثمينٌ أيضا.
بينما كان مرتقبا أن تبتّ المحكمة البريطانية حكمها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وقبيْل موعدٍ مقرّرٍ لتقديم طرفي القضية أوراقا وبياناتٍ لازمة، فاجأنا محمد دحلان، الأسبوع الماضي، بتقديم فريق محاميه إشعارا إلى المحكمة بوقف الدعوى، "مع قبول المسؤولية الكاملة عن التكاليف القانونية". وقبل أن نقرأ لديفيد هيرست إن تخلّي دحلان عن دعواه يعدّ نصرا للصحافة ولموقع "ميدل إيست آي"، قرأنا أن التكاليف الملزم فاعلُ الخير بدفعها تزيد عن خمسمائة ألف جنيه إسترليني، وقرأنا للأخير تغريدةً سوّغ فيها ما أقدم عليه بأنه "حقّق أهدافه من الدعوى القضائية أمام المحكمة البريطانية"، وهذه أحجيةٌ بالنسبة لنا، نحن المقيمين على سوء الظن بهذا الشخص، وسوءُ الظن من حسن الفطن، غالبا.
من بين حزمةٍ دروسٍ نتلقّفها، نحن المشتغلون في الصحافة، العربية بداهةً، من الواقعة الموجزة تفاصيلُها أعلاه، بعد أن حَرمنا دحلان معركةً قضائيةً مشهودةً اشتهيناها، لا سامحه الله، أن العنترية الفارغة تُهين صاحبَها، عندما يسوقُه تورّمٌ فيه إلى أوهام منازلة صحافةٍ حرّةٍ عالية المهنية، تعرف عملَها رفيع القيمة والأثر، تتسلّح في ما تنشره بالمؤكّد من معلومات، ولا تتنازل أمام تخويف المرتعشين الخائبين. وهذا ديفيد هيرست يقول، باعتزاز، إن تقريره ما زال منشورا في الموقع كما هو، و"إن ما جرى كان لإخافتنا، وعندما رآنا دحلان جاهزين تماما للدفاع عن أنفسنا تراجع".
إذن، كان ذلك التقرير الصحافي محقّا في إشارته إلى دورٍ للإمارات، في محاولة الانقلاب العسكري في تركيا على الرئيس أردوغان، عبر "الإصلاحي" في حركة فتح، محمد دحلان الذي قال محامو هيرست إنه يعمل لدى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، فيما كذب محاموه في قولهم إن علاقاتِه مع الإمارات عاديةٌ تماما، بدليل أنه سيدفع نصف مليون جنيه استرليني، فضلا عن أن الدرس الذي أحدثته قصّته هذه، للصحافة وأهلها، ثمينٌ أيضا.