دراما سياسية
محاولة الفرار من الأخبار السياسية تبدو مهمة مستحيلة، مهما كانت النية جادّة وصادقة، فهي تتزاحم في ما بينها من دون أي ترتيب أو تنسيق، حتى أن الكثير منها يستحق أن يتحوّل إلى مسلسلات تنافس التي تغزو الشاشات خلال شهر رمضان، فأينما ولّى المتابع وجهه اصطدم بـ"دراما سياسية".
بعضها مثير للسخرية، كقراءة خبر عاجل عن ترشّح بشار الأسد لما تسمى انتخابات رئاسية سورية في مايو/ أيار المقبل، ليكون سادس "مرشّح". لو كان هناك ما يستحق أن يتصدّر كعاجل على الشاشات والمواقع الإخبارية فهو نبأ عدم ترشحه. لكن حدوث ذلك ضرب من الخيال، بعدما أباد وهجر مئات الآلاف، وأحرق معظم المناطق السورية، وحولها إلى كتلة من الدمار من أجل الاحتفاظ بالسلطة، فكيف يمكن تخيل أن مثل هذا الشخص قد يختار عدم الترشّح بإرادته؟
أما البعض الآخر من الأخبار فباعث للدهشة، كمتابعة ما يجري في تشاد. أن يُقتَل رئيس على الجبهة فهو أمرٌ نادرٌ في العقود الأخيرة، وأن يستلم نجله السلطة مباشرة عبر "انقلاب مؤسساتي" فهو أمرٌ غير مستغرب بالكامل، خصوصاً إذا كان لا ينفصل عن واقع القارّة الأفريقية التي تغرق في الحروب والأزمات والانقلابات، وعن طبيعة ما يجري في تشاد التي حكمها إدريس ديبي ثلاثين عاماً بقبضة من حديد، مغدقاً المناصب على حاشيته وأقاربه، ومقصياً المعارضين، من دون أن ينزل عليه الغضب الغربي، حتى أنه لقّب "رجل فرنسا المدلل".
ولأن لدى العرب، كما باقي الشعوب، حب المقارنات، كانت لافتةً النقاشات على موقع فيسبوك بين بعض اليمنيين بشأن ما جرى لديبي ووضع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والتي اختزلت نقمةً كثيرة على واقع الحال.
فالأول، أي ديبي، اختار الوجود على الجبهة، والمشاركة في المعارك، لصدّ المتمردين الوافدين من ليبيا، رغبةً في تحصين حكمه سنوات إضافية، ولا سيما بعد فوزه بولاية سادسة، وليس فقط "دفاعاً عن دولةٍ ذات سيادة في ساحة المعركة"، بحسب الرواية الرسمية. وبطبيعة الحال، لم تكن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها بمواجهات، لكنها كانت الأخيرة بسبب إصابته. أما الثاني، أي هادي، فاختار، منذ المواجهة الأولى مع الحوثيين، الفرار، وكأنه قطع تذكرة سفرٍ باتجاه واحد، بعيداً عن اليمن، ولا يعنيه من هذا البلد إلا الصفة التي يحملها بكونه "رئيساً" له حتى. وهو ما يفسّر كيف أن هادي يقترب من عقد على تسلم منصبه، لكنه قضى أكثر من نصفه بعيداً عن اليمن.
فاصل إخباري آخر لا يقلّ بؤساً يجري في لبنان. يحتار المتابع أين يتوقف. عند معارك السياسيين التي بلا نهاية، والتي تعطّل كل شيء، من تشكيل الحكومة المتوقف على الرغم من مرور ستة أشهر كاملة على تكليف سعد الحريري بمهمة تأليفها، والتحقيقات بانفجار مرفأ بيروت ومعالجة الأزمة الاقتصادية، أو عند المواجهة القضائية السياسية المضحكة المبكية بين قاضيةٍ تتسلح بأنصار تيار سياسي وشركة مالية تحتمي بعسكر ومعسكر سياسي آخر، أو عند ما يجري مع المواطنين. والأخيرون الحلقة الأضعف في هذا البلد، يدفعون ثمن ألاعيب السياسيين، وخبثهم وفسادهم وإصرارهم على نهب آخر ما تبقى لدى الشعب. يئن اللبنانيون أكثر من أي وقت مضى من سوء أحوالهم المعيشية، حتى أصبحت أبسط طقوس رمضان وعيد الفصح غائبةً بسبب افتقارهم لثمن صحن الفتوش قبل الحلويات.
أن يمر يوم من دون تسجيل شجار في سوبرماركت، من أجل السلع المدعومة من سكر وزيت، فهو أمر نادر بعدما حلقت أسعارها عالياً. أن ينقضي أسبوع من دون أزمة محروقات وكهرباء وطحين وتبدّل في سعر ربطة الخبر فذلك مستحيل، لكن ذلك كله لا يبدو مهماً للطبقة السياسية الحاكمة في هذا البلد المنهار.