حين يستثمر الأسد الكارثة للتكسّب والربح
سلّم نظام الأسد مهمة إنقاذ السوريين وإغاثتهم للأصدقاء والحلفاء، وتفرّغ لتوظيف الكارثة لإعادة شرعنة حكمه. وفي الأثناء، يجلس بشار الأسد في قصر الشعب لتلقي مكالمات التعزية بسكان العشوائيات التي ساهم قصفُه لها بجعل تأثيرات الزلزال كارثية ومدمّرة.
وفي الأثناء أيضا، تشتغل طواقم النظام الدبلوماسية والإعلامية، بالهجوم على المعارضة والطلب من جميع الدول ألا يرسلوا إلى مناطقهم المساعدات، بل إلى دمشق، التي أكدت تقارير أممية أن النظام عادة ما يسرق حوالي ثلثي المساعدات المقدّمة من المنظّمات الدولية، ويوزّعها مكافأة على مليشياته وأجهزته.
لا تعرف عصابة الأسد الكلل في كره السوريين، ففي حين كان المفترض أن تشغلهم الكارثة عن مكايدة السوريين، وربما تعمل على تحسين سلوكهم، ولو مؤقتا، على الأقل استثمار فرصة إثبات أنهم رجال دولة، وأنهم لا يميزون بين سوري وآخر، في الوقت الذي يراقب العالم الاستجابات ونمط ردود الفعل والمواقف، كان بإمكانهم تسجيل موقف "محترم"، ولو شكلياً، لكنهم أثبتوا أن الطبع غلاب، ولا يستطيع المجرم وتاجر المخدّرات ارتداء ثوب الحكمة والإنسانية، حتى ولو مجرّد تمثيل وادّعاء.
تشتغل طواقم النظام الدبلوماسية والإعلامية، بالهجوم على المعارضة والطلب من جميع الدول ألا يرسلوا إلى مناطقهم المساعدات، بل إلى دمشق
لا يعني أن نظام الأسد سلم مهمًة إغاثة السوريين للأصدقاء أنه سيترك المساعدات تصل إلى من تضرّروا بالفعل من الزلزال، الحقيقة ليست كذلك، بل سيشرف على توزيع كل حبة غذاء ودواء، فهل يؤتمن من لم يترُك وسيلة لعقاب شعبه على غذائه؟ والحقيقة أيضا أن المتضرّرين الذين ضرب الزلزال أحياءهم هم في الغالب من الأحياء والمناطق التي ثارت على الأسد، في حلب الشرقية وحي الأربعين في حماة وحي الرمل في اللاذقية ومناطق في بانياس والحفّة وجبلة. لن تصل المساعدات إلى هؤلاء، ستجري سرقة الكميات الأكبر منها وتسريب القليل لهؤلاء المنكوبين، فقط لزوم الصورة التي ستبثها وسائل إعلامه.
بكل صفاقة، يخرج وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد على إحدى الفضائيات المؤيدة لنظامه، ليطالب بعدم إرسال المساعدات إلى الشمال السوري، بذريعة أن القوى المسيطرة في تلك المناطق تسرق المساعدات وتبيعها للمواطنين، كما يشترط مندوب الأسد في الأمم المتحدة عبور المساعدات عن طريق دمشق حصرا! ومن هم سكّان الشمال؟ أليسوا هم سكان أحياء دمشق وحلب ودرعا وحمص الذين خيًرهم إما بالهجرة عن مناطقهم أو الموت في السجون؟
لكن وعلى الرغم من أن لا أحد ينكر وجود فسادٍ في مناطق المعارضة، هناك أيضا مجتمع مدني يراقب ويتابع ويرفع الصوت عاليا، قد لا يستطيع المحاسبة، لأنه يفتقر للقوة القهرية، لكنه يستطيع حساب كل شيء يدخل إلى مناطق المعارضة وفضح أي محاولة للسرقة، وخصوصا فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، فأين يوجد مثل ذلك في مناطق سيطرة عصابة الأسد؟
كانت الكارثة، رغم هولها، ستصير فرصة لرتق نسيج المجتمع السوري وبداية للبحث عن مقاربات جديدة تلطّف على الأقل المناخات المشبعة بالعدائية، وتفتح المجال لرؤية الواقع بمناظير جديدة، بمعنى التفاعل مع الحدث وطنيا ووضع الحسابات الصغيرة جانبا، أو أقله احترام الدماء التي تنزف تحت الركام، والنساء والأطفال الذين يتلقفون بصعوبة الأنفاس بانتظار الفرج، والصمت إزاء هذ الكارثة، وهذا أقلّ الممكن في هذه الظروف. ولكن ممن نطلب الاحترام! ممن قتل شعبه بالكيماوي والبراميل واغتصب النساء في سجونه، أم من تاجر مخدّرات أغرق المنطقة بسمومه في حرب إبادةٍ مكشوفةٍ ضد أجيال بكاملها؟
يعتقد نظام الأسد أنه أمام فرصةٍ يمكن استثمارها لتحطيم العقوبات عليه
المشكلة أن نظام الأسد الذي استنفر متسوّلا للمساعدات الإقليمية والدولية، ولم يفعل ذلك شفقة على السوريين، بل لاعتقاده أنه أمام فرصةٍ يمكن استثمارها لتحطيم العقوبات عليه، بمعنى أن مخيلته السطحية أوحت له أن نداءاته واستغاثته سينتج عنها سيل متدفق من الاستجابات الدولية، والتي ستكون بمثابة تسونامي لا يُلغي العقوبات وحسب، بل وينظّف صفحته من جرائم الكيماوي والكبتاغون ومجازر قيصر، ويثبته حاكما أبديا على بلادٍ حطّمتها طائراته ومدافعه وشعب استدعى الأسد كل عصابات الإجرام في العالم، فاغنر والحرس الثوري الإيرني وغيرهما، للتنكيل به.
تعتقد عصابة النظام المستجدية أن أي مسعىً إلى التصالح مع السوريين قد يتم تسجيله في خانة الضعف، وبمثابة تنازل سياسي، فالكارثة في نظرهم يجب ألا تنسيهم أنهم في صراع وجودي مع الجزء الأكبر من السوريين، وما لم يستطيعوا تحصيله بالتمرّد يجب ألا يحصّلوه بسبب الكارثة. وإذا كان من حقّ أحد تحصيل مكاسب من الكارثة فالعصابة وحدها التي تحتكر كل شيء في سورية، وحدها من يحقّ لها التمتع بالمكاسب التي ستجلبها المساعدات والمنح، والعطاءات الإقليمية والدولية.
ضاعف الزلزال من نكبة السوريين على طرفي البلاد، وستكون له تداعيات خطيرة على حياتهم، لكن نكبتهم الحقيقة في دوام حكم العصابة واستمرارها، وهي التي لا تعرف كيفية إدارة الكوارث، مثلما لا تفهم بإدارة الأزمات السياسية. وإذا كان المدفع والدبابة هما آليات إدارة الأزمة السياسية، فإن المساعدات الإغاثية الإقليمية والدولية لن تدوم إلى الأبد. وبالتالي، تفقد صلاحيتها آلية لإدارة الكارثة، وليس أمام السوريين جميعهم سوى طريقٍ واحد للخروج من هذا الوضع الكارثي، الطريق الذي يوصلهم إلى قصر الشعب، لقذف الأسد وعصابته من أعلى قمّة في جبل قاسيون.