حياتك حلالٌ عليك

02 اغسطس 2024

(Getty)

+ الخط -

إذا كنا نعتقد أنّنا لا نقدَّر بثمن، ولا يراودنا الشكّ في أنّنا بضاعة في سوق أحدهم، فعلينا إعادة التفكير. "نحن هنا"، هم الذين ليسوا في منطقةِ حرب، ولديهم نسبة لا بأس بها من الكرامة، تتكرّم بها عليهم أنظمتهم العتيدة "دام عزّها". وطبعاً، باقي العالم حولهم، في الشرق والغرب، فلا أحد فوق السوق. الفرق في "نوعية البضاعة التي أنت عليها".

فإذا كنت شخصاً بلا أهمّية على الإطلاق، لا رأيَ له ولا ناقةَ في أيّ بيدرٍ كان، فإنّك غير معفيٍّ من دخول السوق، فأنت نموذج للجماهير العمياء، وعليهم دراستك لمعرفة كيفية التحكّم في عَمائِك وغرائِزِك لتكون وقوداً، أو حتّى طريقاً، فلن يعدموا ذريعةً لاستغلالك حتّى لو نأَيْت بنفسك عمّا حولك.

إذا كنت شخصاً له رأي، تتحدّث عنه في المقهى، أو تشاركه في "فيسبوك"، فأنت مشكلة نائمة. ربّما تعيش حياتك وأنت نائم. لكن من يدري، ربّما تستيقظ يوماً، منفجراً، وتقوم بفعلٍ ما برأيك هذا، معَ أو ضدّ لا يهم، من اليمين أو اليسار، كلّها تفاصيل، المهمّ أنّك لاعبٌ مُحتملٌ، وعليهم مراقبتك، ومعرفة ما يُحفِّزك أو يشلّك. أنت لست مشروع قلق فقط، بل نموذج لمشاريع قلقة أخرى، وورقةٌ مفتوحة أمام عدسة مُكبِّرة. وفي أحسن الأحوال أنت فأرُ تجارب.

تخيّل الغرفة التي يمتلك معظم الناس مثلها، تُكدِّسُ فيها أشياءَ لا تحتاجها الآن، لكنّك قد تفعل يوماً ما. عدا استعمالاتها الأخرى، فعندما يظهر على بابك ضيفٌ مُفاجِئٌ، تُسرع وتَرمي فيها الملابسَ المُلقاة على عاتق الصالون، أو شيئاً تملكه أو تفعله، لا تريد أن يعرف الناس عنه. في جميع الحالات، لا تُحبّ أن يدخل أحدهم إلى الغرفة، التي قد تستغل الفوضى غطاءَ لأشياءَ أكثر أهمّية، قد تكون المالَ أو الذهبَ، أو أسراراً صغيرةً لا تُحبّ أن يعرف عنها أحد.

كيف ستشعر حين تكتشف أنّ أحدهم نبشَ ما تحتويه الغرفة كلّه. حتّى لو لم يكن في الغرفة ما يُخجل ولا يشين. ولكن رؤية أحدهم لفوضاك الداخلية، ونقط ضعفك، ستضايقك، ولن تتحمّل رؤيةَ هذا الذي انكشفْتَ أمامه.

في هذا العصر، الغرفة الخلفية لمعظمنا، تقع في هواتف أو حواسيب. حيث تتراكم جبال من الصور والفيديوهات العائلية والوثائق. صورُ رحلاتٍ مع الأصدقاء، أو في أماكن لا تريد أن يعرف أحدهم عن وجودك فيها. أو صورٌ مع أشخاص لا أحد قد يربط بينك وبينهم، لأنّ علاقتك بهم كانت قصيرةً أو خفيّةً، الصور فقط هي التي تثبت معرفتك بهم، ومن يدري ماذا يفعلون في حياتهم. ولعلّ الصورَ تجرُّك إلى دائرة الشبهات، مُكبَّلاً بما تركْتَه خلفك من آثار إلكترونية، بفعل حنين خفيّ أو كسول.

وهناك أيضاً سيرتك في الحياة، التي كُنْتَ تظنُّ أنّ حكومةَ بلدك الوحيدة التي تعرف دقائقها، مثل وثائقك الشخصية، والتفاصيل الدقيقة لسيرتك. كأنّك تضع صورة رنين مغناطيسيّ لحياتك على حاسوبك أو هاتفك، عارياً أمام من يرى ما خلفَ جلدِك ولحمِك.

لمزيد من التفاصيل، يمكن مشاهدة كثير من إنتاجات هوليوود ونتفلكس بشأن انتهاك البيانات، ولحمنا المكشوف أمام الشركات الكبرى والمنظّمات الأمنية، والاستخبارات، وهلمّ جرّاً من وحوش الغابة المعلوماتية. إنّها مُجرَّد دراما للترفيه، لكن نحن أيضاً كذلك، ألا تُبنى الأفلام على الحقيقة التي غالباً ما تفوق الخيال؟

أَفِقْ يا نايم، والْحَق غرفتك الخلفية. اشترِ القليل من الكتب، عن المواضيع التي تبحث فيها كثيراً، بدلاً من فضح انشغالاتك في "غوغل"، و"سيديهات" الأفلام التي تُحبّ. ولماذا عليك أن تشتري كلّ شيء من بعد؟ ممّ يشكو السوق المحلّي؟ خذ قدميك في نزهة واشتر يا نائم.

مع هذا، ستبقى مكشوفاً بنسبة 90%، طالما أنّك تحكي حياتك لأصحابك على "واتساب" و"ماسنجر"، وطالما ترسل لك أمُّك رسالةً صوتيةً، بمثابة تقرير شامل عن تاريخ عائلتك الكريمة، وما تفعله وما تخفيه. فحياتك حتماً غير "حلال عليك"، يقول البائع في سوق البيانات.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج