حمزة بن الحسين مجدّداً
لقائلٍ أن يقول إن الرواية المطوّلة التي أشهرها العاهل الأردني، عبدالله الثاني بن الحسين، أول من أمس الخميس، بشأن أخيه غير الشقيق، حمزة (42 عاما)، لا تقابلها روايةٌ من الأخير، وهو المعنيُّ بها، ولذلك يجوز الاحتراس من تسليمٍ مسبقٍ بمنطوقها العام، وعمادُه صورةٌ مضطربةٌ للأمير المُزاح قبل 18 عاماً من ولاية العهد، صورةُ شخصٍ يحتلّ جوانحَه شعورٌ ممضٌّ ومتعِبٌ بأن له حقاً سُلب منه. ومرجّحٌ أن أهل قولٍ كهذا يصدُرون فيه عن بديهيةٍ تقيم فيهم، موجزُها وجوب الارتياب في كل ما يصدُر عن أي صاحب سلطة، سيما في البلاد العربية، ما يفترِض، في أول الخبر ومنتهاه، عدم أخذ كل ما جاء في الرسالة الملكية على محمل التصديق الكامل، وإنْ لا دخان من دون نار، على ما قد يسترسِل هؤلاء.
وأول ما في الوسع أن يُحاجَج به منطقٌ كهذا، أنه منطقٌ وحسب، ذهني، وجاهتُه في أن القول به يجري باعتباره قاعدةً عامة. وثاني ما يمكن أن يُعتدّ به حجّةً على المنطق الموصوف هنا أن ما سُمع من حمزة بن الحسين، وشوهد عليه في ما أمكنَه تسريبه، وفي إشهارِه الذي طيّره في حسابه في "تويتر"، الشهر الماضي (إبريل/ نيسان)، أنه تخلّى عن لقبه أميراً، لا يسوق، بالضرورة، إلى ما يثلم صدقيةً في رسالة الملك، المثيرة والمسهبة، وإنْ تأتي ربما للأمير، الواهم والهدّام في نعتيْن رمتْه بهما الرسالة، ببعض تعاطفٍ، أو إشفاقٍ، أو تفهّم لأمره ولحاله (وحالته؟). وهذا، في كل حسابٍ وكل قراءة، لا يمنحه رصيداً، ولا يخصِم رصيداً ممن وضعهم حمزة في غير موضعه. وقبل هذا كله وبعده، ثمّة السؤال، المنطقي لا ريب، عمّ يجنيه عبد الله الثاني من استهداف أخيه بظلمٍ أو غبنٍ أو تبخيسٍ من شأنه ومقامه أميراً في العائلة الهاشمية المالكة. وثمّة السؤال عما يفيد الأردن من تنازعٍ، مصطنعٍ في واحدة من صوره الأوضح، في العائلة، وقد ارتضى الأردنيون معادلةً توافقوا عليها، معارضين وموالين، جوهرها الاعتدال والوسطية في المنازعة والخصومة مع الحكم، سيما بعد أطوارٍ من توتراتٍ معلومة، ومن قسوةٍ غير منسيّةٍ في التعاطي الأمني الحكومي مع تشكيلاتٍ وفاعلياتٍ معارضةٍ في عقود مضت. وانتهى الجميع إلى أن النهج الإصلاحي، غير الانقلابي أبداً، هو المسعى والطموح، هو الذي يتضمّن حدّاً من صلاحياتٍ مطلقةٍ للملك في غير أمر وشأن، وتعظيماً لتمثيل الإرادة الشعبية في الحكم والولاية العامة. وهذا ليث شبيلات، مثلاً، يجنح إلى أعنف القول، لكنه لم يذهب، يوماً، إلى مطلب تبديل ملكٍ بملك أو بغير ملك. والقول، أصلاً من قبل ومن بعد، بالإتيان بحمزة، المظلوم، ملكاً، بدل أخيه أو ابن أخيه، حديثُ مصاطب، ولا يمكن أن يُحسَب حديث سياسةٍ أبداً.
لا نميل، نحن الصحافيين، خصوصاً من يقيمون كل الوزن لحريات التعبير، إلى معاقبة حمزة بن الحسين بمنعه من قول ما يريد، ومنعنا من أن نعلم ما قد يقول، لكننا، في الأول والأخير، يجدُر أن نصطفّ مع القانون، مع إعماله في الحالات التي يرى فيها أهل الدراية والاختصاص ما تنطوي على مخاطر من أي نوع. وبديهيّ أن استقرار مؤسّسة العرش، وقوة الحكم والدولة، بالعدل والحقّ والحوكمة الرشيدة، لا يجوز الثرثرة بشأنهما، ولا إجازة الكلام المسترسل في صددهما كيفما اتفق، من قبيل زعمٍ عن إعادة حقٍّ إلى حمزة نُزع منه، فيما الحكاية كلها أن إعادة حقوق الأردنيين في موارد بلدهم وسيادتهم المطلقة فيه وفي عدالةٍ اجتماعيةٍ وحرّياتٍ وكرامةٍ هي الأدْعى أن يُنفقوا الجهد من أجله. والبادي من رسالة الملك عبد الله الثاني، المدهشة في إسراف مقاطع فيها في تفاصيل التفاصيل، أن ثمّة تحسّباً لدى القصر والديوان الملكي (والأجهزة المختصّة طبعاً) بأن الأمير الذي جنحَ إلى غير ما أقام عليه إخوته وأشقاؤه وعمّه الحسن وأولادهم قد يعمد إلى نوبةٍ جديدةٍ من "إنكار الواقع"، كأن يكرّر القول عن نفسِه محارَباً ومستهدَفاً، وتخبر الرسالة بأن تصرّفاتٍ غير مسؤولةٍ كهذه قد تبدر منه "سيتمّ التعامل معها". وربما يحبّذ أردنيون، وغير أردنيين، أن تستمرّ حدّوتة حمزة بن الحسين التي لم تتوقف منذ ذاعت في إبريل/ نيسان العام الماضي، للتسلّي في لتّ وعجنٍ في قصص ملوك وأمراء وأولياء عهود، إلا أن الأدْعى دائماً أن يُؤمل طيّ هذا الصُّداع، والانصراف إلى ما هو شديد الإلحاح في غير شأنٍ يخصّ عيش الأردنيين وأرزاقهم ومغالبتهم كدّ الحياة.