حلب الغربية وأحوال الكوسا
كلما كتب صاحب هذه السطور، في هذا المكان، حكايةً غريبة، يهرع بعضُ السادة المتابعين إلى اتهامه بأن الفنان الساخر ماهر حميد يقف وراءها، باعتبار أن ماهر يخترع قصصاً لا تُصَدَّق، وينسبُها للسيد شوقي، فيتساءل الناس ببراءة: مين شوقي؟... وذلك نسجاً على منوال الفنان عادل إمام، حينما كان يتحدث، في إحدى مسرحياته، عن رجال النهضة العربية الكبار، أمثال طه حسين، ورفاعة الطهطاوي، وأحمد أمين، وزكي جُمْعة، وفجأة يتوقف ويسأل نفسه: مين زكي جُمْعة؟
الحقيقة أن ما قرأته يوم 14 أغسطس/ آب 2016، كان موجوداً على صفحة ماهر حميد، بالفعل، لكنه، هذه المرة، كان منقولاً عن صفحات بعض مؤيدي بشار الأسد، ومُدَعَّماً بصورةٍ نشرت على صفحاتهم، فيها محافظُ حلب، وقائدُ الشرطة، ورجالٌ آخرون، واقفون أمام بسطةٍ لبيع الكوسا، وتحت الصورة عبارةٌ بالغةُ التأثير، هي: في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أمتُنا العربية، وبتوجيهٍ من القائد الدكتور بشار الأسد، قام السيد محافظ حلب، والسيد قائد الشرطة، وبعضُ المسؤولين في الحزب والدولة، بتفقد سوق الخضار في الأحياء الغربية من مدينة حلب الشهباء. وفي التعليق على الخبر، كتب أحدهُم أن هناك غايتين لهذه الجولة. الأولى، حرص القيادة الحكيمة على حماية المستهلك من الغش والتدليس. والثانية، هي التأكد مما إذا كان الكوسا لهذا الموسم يصلح لطبخ المحشي، أم لا.
حسناً، ولأن الشيء بالشيء يُذكر، سأخبركم الآن، ومن دون الرجوع إلى ماهر حميد، أنني كتبتُ في سنة 2014، زاوية صحافيةَ تحدثتُ فيها عن جولةٍ تفقديةٍ قام بها وزير السياحة في الجمهورية العربية السورية، الدكتور بشر دعبول، لبعض المواقع الأثرية في حلب نفسها، ولدى أول وقفةٍ له أمام المايكروفون، ألقى خطبة مؤثرة، تحدث فيها عن ضرورة تطوير السياحة في القطر العربي السوري، نظراً لما تدرّه على خزينة الدولة من إيرادات، بالعملة السورية، وبالقطع النادر أيضاً.
لن أسهب، الآنَ، في وصف البراعة الاستثنائية التي يمتلكها الرجال الذين يدورون في فلك القائد الأسد، وتتمثل في تفقد موسم الكوسا في أثناء المعارك الطاحنة التي شهدتها منطقة الراموسة وكليات المدفعية، والفنية الجوية، والتسليح، ومعمل الإسمنت، وإدارة التعيينات، التي أوشكت على تَمَكُّن الفصائل الثورية والجهادية المسلحة من تطويق حلب الغربية التي توجد فيها بَسْطة الكوسا المقصودة. ولن أتحدّث عن الصعوبات التي يمكن أن تعترض السائح الذي يمكن أن يأتي إلى سورية، سنة 2014، ويقطع المسافة بين دمشق وحلب، مثلاً، خلال أسبوعين، ويضطر لأن يتزنر برزمةٍ من القطع النقدية من فئة 500 ليرة سورية، بغية أن يدفع قطعةً نقديةً لكل حاجز عسكري، تُشرف عليه مخابراتُ النظام أو لجان الدفاع الوطني، لئلا يصنفوه إرهابياً، وقطعة نقدية لكل واحد من الحواجز الأخرى، لئلا يصنفوه شبيحاً. وكلما سألوه، بالعربي، (لوين رايح يا حبيب؟) يقول لهم مستفهماً (what)، فيجيبه العسكري الواقف عند الحاجز: وَطْوَاط يخلع رقبته، يا مجنون، كيف خطر ببالك أن تترك بلادك الآمنة، وتأتي إلى بلادنا التي تحترق بالنيران منذ سنوات؟
وفي كل الأحوال، سيداتي وسادتي، أنا أعتبرُ الحديث عن الكوسا، في هذه الظروف العصيبة، أحسن بالنسبة إلينا، وأشرف من أن يجلس رئيس بلادنا المحترم الذي زوّروا له الدستور في سنة 2000 لئلا يبدو رئيساً (قاصراً)، أمام مذيع قناة (NBC) الأميركية، بتاريخ 14/7/2016، ويتحدث، بالفم الملآن، عن (قلة الخبرة) التي يعاني منها رؤساءُ الولايات المتحدة الأميركية، أمثال بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وأبي حسين أوباما. ثم يوضح للمذيع أن الشخص الذي يشغل وظيفة عضو كونغرس لسنوات قليلة لا يكتسب ما يكفي من المراس، ليكون رئيساً للجمهورية، ويختم بنصيحة للناخب الأميركي، بأن عليه أن ينتبه، لئلا يقع في مثل هذا الخطأ التاريخي خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.