حظوظ الجمهوريين في الانتخابات النصفية ومعضلة ترامب
تتفق معظم استطلاعات الرأي المعتبرة في الولايات المتحدة الأميركية على تزايد احتمال خسارة الديمقراطيين الانتخابات النصفية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. ورغم أنها ترجّح، حتى الآن، نجاح الجمهوريين في استعادة السيطرة على مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ، فإن هذا لا يعني أن طريقهم خالية من العقبات. ويتمثل أهم هذه العقبات في شخص الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي رغم تراجع نسبة التأييد له، بسبب دوره في التحريض على اقتحام مقر الكونغرس في كانون الثاني/ يناير 2021، فإنه ما زال يمثل قوة كبيرة في الحزب. ويخشى قادة الجمهوريين من أن تتسبّب الانقسامات التي يغذّيها بين قواعد الحزب - وتتمحور حول الولاء له - في تكبيدهم تكلفة كبيرة في الانتخابات المقبلة، وحرف استراتيجيتهم القائمة على التركيز على فشل الديمقراطيين في وقف تردي الأوضاع الاقتصادية، وتعثرهم في احتواء جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، واستثمار الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي، والأزمات الدولية التي تواجه الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس جو بايدن.
أفضلية جمهورية
ترجّح استطلاعات الرأي تقدّم الجمهوريين بنسبة مريحة في التنافس على مقاعد مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليًا بأغلبية عشر مقاعد (222 من أصل 435). أما في مجلس الشيوخ، فتتساوى مقاعد الحزبين (50+50)، مع صوت نائبة الرئيس مرجّحًا. وتتفاوت هوامش التفوق الجمهوري على الديمقراطيين التي تقدّمها استطلاعات الرأي؛ إذ تصل في بعضها إلى 12.5% (54.4% للحزب الجمهوري مقابل 41.9% للديمقراطيين)، في حين يتقلص الهامش في استطلاعات أخرى كثيرًا (45.1% للجمهوريين مقابل 42.6% للديمقراطيين). ومن شأن سيطرة الجمهوريين، سواء على أحد مجلسَي الكونغرس أو الاثنين معًا، أن يسمح لهم بإحباط أجندة بايدن أكثر مما هو حاصل الآن جرّاء انقسامات الديمقراطيين، وتحديدًا في مجلس الشيوخ؛ ما يحول دون تمرير بعضٍ من أهم القوانين التي وعد بها، وتحديدًا مشروعَي قانونَي إصلاح نظام التصويت الانتخابي لحماية حقوق الأقليات، ومشروع دعم الطبقة الوسطى المسمّى "البناء مرة أخرى بشكل أفضل".
28 نائبًا ديمقراطيًا أعربوا عن عزوفهم عن خوض الانتخابات هذا العام، مقابل 13 نائبًا جمهوريًا فقط
ويميل منحى الانتخابات النصفية، عمومًا، إلى خسارة حزب الرئيس الحالي، لكن ذلك لم يمنع من وجود استثناءات. مثلًا، في عام 1998 تحت إدارة بيل كلينتون، وفي عام 2002 تحت إدارة جورج بوش الابن؛ فقد تمكّن الحزبان، الديمقراطي والجمهوري على التوالي، من الحصول على مقاعد إضافية في الانتخابات النصفية. ففي انتخابات عام 1998، كسب الديمقراطيون خمسة مقاعد في مجلس النواب، وبقيت المقاعد كما هي في مجلس الشيوخ. أما في انتخابات عام 2002، فقد أضاف الجمهوريون إلى أغلبيتهم في المجلسين. لكنّ الفارق في تينك الدورتين من الانتخابات النصفية أن نسبة التأييد الشعبي لسياسات الرئيسَين حينها كانت أعلى من 60%، في حين أن نسبة التأييد التي يحظى بها بايدن الآن لا تتجاوز 42%.
ومما يشير إلى شعور الديمقراطيين بحجم الأزمة أن 28 نائبًا ديمقراطيًا أعربوا عن عزوفهم عن خوض الانتخابات هذا العام، مقابل 13 نائبًا جمهوريًا فقط. وتؤثر عملية إعادة رسم الخرائط الانتخابية التي تجري كل عشر سنوات في أغلب الولايات، على أساس التغيرات السكانية، تأثيرًا أكبر في حظوظ الديمقراطيين، وتحديدًا في مجلس النواب؛ ذلك أن الجمهوريين يُحكِمون سيطرتهم على منصب الحاكم والمجالس التشريعية في 23 ولاية، مقابل 15 فقط للديمقراطيين، في حين يقتسم الطرفان المجالس التشريعية في 12 منها. وقد مكّن ذلك الجمهوريين من رسم وتصميم كثير من الدوائر الانتخابية بناء على مصالحهم الحزبية. ويأمل الجمهوريون كسب قرابة 30 مقعدًا في مجلس النواب، وأربعة إلى خمسة مقاعد في مجلس الشيوخ. لكن ذلك ليس حتميًا؛ فقد تتغير جملة من الأمور خلال الشهور الثمانية المتبقية على الانتخابات. وقد ينجح الديمقراطيون، مثلًا، في تجاوز خلافاتهم وتمرير عدد من القوانين الكبرى التي يرغبون فيها. وقد يتغير المزاج العام أيضًا، إذا انحسرت الموجة الأخيرة من جائحة كورونا وتحسّن الوضع الاقتصادي. كما أن تصويتًا مرتقبًا للمحكمة العليا، التي يسيطر عليها المحافظون، تلغي بموجبه حكمًا سابقًا يضمن حق الإجهاض، قد يدفع القواعد الديمقراطية إلى التصويت بكثافة.
معضلة ترامب
يبقى السيناريو الذي يثير قلق الجمهوريين أكثر من غيره وقوع انشقاق في صفوفهم، وتفاقم صراعاتهم الداخلية، التي محورها الرئيس السابق، ترامب، الذي ما زال يحظى بنفوذ واسع بين قواعد الحزب. ويتمحور الخلاف حاليًا حول إصرار ترامب على الانتقام من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين رفضوا تأييد جهوده في الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها عام 2020. ومن أجل ذلك، أعلن تأييده أكثر من مائة مرشّح جمهوري متطرف في الانتخابات التمهيدية للحزب، من الذين يتماهون مع مواقفه ومع نظريات المؤامرة التي يشيعها عن "تزوير نتيجة الانتخابات وسرقتها منه". ويخشى قادة الجمهوريين من حصول رفض واسع لهؤلاء المرشّحين المتطرّفين في الانتخابات العامة وبين الناخبين المستقلين الذين لديهم ميول جمهورية؛ ما قد يضعف حظوظ الحزب في السيطرة على الكونغرس.
لا يزال ترامب يحظى بدعم 74% من قواعده، وإن أقل من 63% منهم يؤيدون ترشّحه للرئاسة مرة أخرى عام 2024
وتتعارض رغبة ترامب في الانتقام وإحكام سيطرته على الحزب الجمهوري، وخصوصًا مع مواقف زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي يرى ضرورة التركيز على "فشل" الديمقراطيين في الحكم، وتقديم مرشحين أكثر كفاءة وقبولًا لدى الناخبين، بخاصة في الولايات الحمراء والترجيحية، كجورجيا وأريزونا، التي كسب فيها بايدن بفارق ضئيل. وكان لقرار اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري توجيه اللوم إلى النائبَين الجمهوريَين، ليز تشيني وآدم كينزينجر، لمشاركتهما في لجنة خاصة أنشأها مجلس النواب للتحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، دور في زيادة الخلافات داخل الحزب. فقد شجبت أكثر من 140 شخصية كبيرة في الحزب الجمهوري قرار اللجنة الوطنية للحزب انتقاد تشيني وكينزينجر، ورأت فيه تعميقًا للخلافات والانقسامات في صفوفه. أما ترامب، فقد شنَّ هجومًا عنيفًا على كل من انتقد قرار اللجنة، بمن فيهم ماكونيل، ونائبه السابق، مايك بنس، الذي قال إن ترامب مخطئ في اعتقاده بأنه كان قادرًا على قلب نتيجة الانتخابات.
ويمثل ترامب تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى الحزب الجمهوري؛ ففي حين تؤكّد كل استطلاعات الرأي أنه الأكثر شعبية في الحزب، إذ لا يزال يحظى بدعم 74% من قواعده، فإن أقل من 63% منهم يؤيدون ترشحه للرئاسة مرة أخرى عام 2024. وفي المقابل يرى 37% منهم أنه لا ينبغي له الترشح. ويقول 56% من الجمهوريين إن ولاءهم لحزبهم أقوى من ولائهم لترامب، في حين يقول 36% العكس، بانخفاض 10% عن نسبة أولئك الذين قالوا إن ولاءهم لترامب أكثر عام 2021. ويبلغ التناقض ذروته في اعتقاد ثلثي الجمهوريين، تقريبًا، أن ترامب فاز بانتخابات عام 2020. ويرى أغلب من يقولون بفوزه إن هناك مبالغة في الاهتمام بأحداث كانون الثاني/ يناير 2021. وتعزز هذه النسبة حظوظ المرشّحين الذي يقولون بذلك ويدعمهم ترامب، وتضعف فرص المرشحين الأكثر اعتدالًا وقبولًا لدى الناخب العادي.
يخشى قادة الجمهوريين من أن تتسبّب الانقسامات التي يغذّيها ترامب بين قواعد الحزب، وتتمحور حول الولاء له، في تكبيدهم تكلفة كبيرة في الانتخابات المقبلة
ومع أن ماكونيل وآخرين من كبار الجمهوريين يرون أن نفوذ ترامب في الحزب آخذٌ في التراجع، وخصوصًا في ظل التحدّيات القانونية التي يواجهها، ومنعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع الاهتمام الإعلامي بتغطية مهرجاناته الشعبية، فإنه يبقى التحدّي الأكبر الذي يواجه الحزب في غياب منافس قوي له من داخله. ويواجه ترامب تحقيقاتٍ في مجلس النواب على خلفية أحداث اقتحام الكونغرس، ويواجه أيضًا تحقيقات جنائية تشمل محاولته الضغط على مسؤولين جمهوريين في ولايتي جورجيا وميشيغان للتلاعب بنتيجة الانتخابات، فضلًا عن تحقيقات أخرى تتعلق بأعماله التجارية وملفاته الضريبية، وأضيف إليها، أخيرا، تحقيقات في مزاعم عن تخلصه من سجلات رسمية توثّق نقاشاته مع مساعديه ضمن مساعيه في الأيام الأخيرة من حكمه للانقلاب على نتيجة الانتخابات التي خسرها.
خلاصة
مع أن أكثر استطلاعات الرأي تشير إلى تزايد احتمال استعادة الجمهوريين السيطرة على الكونغرس في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، فإن ذلك لا يبدو حتميًا. وسوف تقرّر الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري خلال الأسابيع المقبلة، والتنافس الحاد بين معسكرَي دونالد ترامب وميتش ماكونيل، مدى سيطرة الأول على الحزب في المستقبل، سواء ترشّح للرئاسة مرة أخرى أم لا. المفارقة أن بايدن وترامب يواجهان تحديًا من النوع نفسه؛ إذ يرى 51% من الديمقراطيين والمستقلين الذين يميلون إليهم ضرورة إيجاد بديل من بايدن في انتخابات الرئاسة عام 2024، مقابل 45% منهم يريدون أن يكون هو مرشحهم. وفي المقابل، فإن 49% من الجمهوريين والمستقلين الذين يميلون إليهم لا يريدون أن يترشّح ترامب مرة أخرى للرئاسة عن الحزب الجمهوري مقابل 50% يريدونه مرشّحًا. والمفارقة الثانية هي تساوي نسبة التأييد التي يحظى بها الطرفان على المستوى الوطني، وتبلغ 42%؛ ما يجعل من كليهما مرشحًا ضعيفًا في انتخابات 2024، إذا قرّرا خوضها معًا.