حرب لا أحد يريد أن يوقفها!

23 نوفمبر 2024

سودانيون فارون من الحرب قرب مدينة الرنك شمال دولة جنوب السودان (14/2/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

وصلت حرب السودان إلى مرحلة اللاعودة. وأصبحت شأناً دولياً تديره عواصم عديدة. ما عاد من الواضح كيف يمكن أن يتوقف القتال الذي جاوز 19 شهراً، وما زالت أوهام الإخضاع أو الاستئصال تسيطر على مسلحيه. تمارس قوات الدعم السريع عمليات تهجير واسعة وانتهاكات مستمرّة في مناطق متفرقة من البلاد. ويوسّع الجيش من دائرة اتهاماته الرسمية دول العالم والمنطقة بدعم خصمه، ويتكئ على دعم اقليمي ودولي، ظهر جلياً في موقف روسيا أخيراً في مجلس الأمن من مشروع القرار البريطاني لحماية المدنيين.

أصبحت الحرب أسلوب حياة. وبشكل ما يطبّع الجميع معها، فهي مفيدة لأطراف عديدة. يتبرّأ قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) من انتهاكات قواته المتواصلة في ولاية الجزيرة بوسط السودان. الانتهاكات التي بدأت في الخرطوم منذ أيام الحرب الأولى، وتواصلت في كل مكان وطئته أقدام جنود "الدعم السريع". سرقات، اغتصابات، قتل، اختطاف، إذلال وتعذيب، احتجاز غير قانوني، تهجير قسري، وغيرها من جرائم عانى منها ملايين السودانيين. رغم وفرة الشهود، يصر قائد "الدعم السريع" على ما ظل يردّده منذ سنوات. أن قواته تتعرّض لمؤامرة لتشويه سمعتها! يريد قائد المليشيا أن يتخلص من ذنب جنوده، ويدّعي طلب سلام لا يأتي. بينما يعلن قادة الجيش أنهم على استعداد لمواصلة القتال مائة عام! وهي أعوام لا يعرف أهل البلاد كيف ستمر عليهم، فكل يوم يحمل معه المزيد من العنف والخوف والجرائم.

وبينما يزداد عدد الفصائل المحلية المسلحة التي يدعمها الجيش للدفاع عن القرى والمدن التي يهدّدها "الدعم السريع"، يجرّب العالم قائمة طرقه المقرّرة سلفاً لوقف الحرب من دون جدوى. تبدو العقوبات الدولية ضد قادة في الجيش و"الدعم السريع"، والدعوات إلى حظر الطيران وحظر تصدير السلاح والمناطق الآمنة للمدنيين كلها محاولات غير جادة وغير مؤثرة في حقيقة "عدم الرغبة المحلية والدولية في وقف الحرب". في وقت قريب على الأقل. ولا يبدو أن المواطن السوداني يملك رفاهية التجريب وانتظار ما لا يتحقّق. يموت طفل في السودان كل ساعتين بسبب الحرب. وتزحف المجاعة والأوبئة نحو المحاصرين داخل المدن، بينما يلعب طرفا الحرب لعبة السلطة على معابر قوافل الإغاثة والمعونات الإنسانية ومساراتها.

لم يتورّع الطرفان عن استخدام الجوع سلاحاً. بقطع الإمداد مثلاً عن المدنيين في مناطق سيطرة الخصم، مثلما تعنّت قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في فبراير/ شباط الماضي، لمّا رفض دخول أي اغاثة لمناطق سيطرة الدعم السريع ما لم يستسلم. وهو ما تراجع عنه لاحقاً بعد مكالمة من وزير الخارجية الأميركي بلينكن، ومخاطبة المبعوث الأميركي له بلقب "رئيس مجلس السيادة الانتقالي"! ورغم اتهامات الحركات المسلحة المجتمع الدولي باستغلال المعابر الحدودية والمعونة الإنسانية لمد الدعم السريع بالسلاح، إلا أن الجيش وافق على استمرار فتح المعابر.

أما قوات الدعم السريع فهي توقّع اتفاقيات مع كل راغب. وتلتقي كل مبعوث. وقّعت مع الجيش اتفاقا في جدّة، ثم مع تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية في أديس أبابا، ثم مع القائد العسكري الفريق شمس الدين كباشي في المنامة. وتقدم الوعود والتعهدات لكل مبعوث دولي أو مسؤول أممي. ثم لا تكلف نفسها عناء قراءة ما وقعت عليه، أو تذكر ما تعهدت به، فتعد صباحاً بحماية المدنيين، وتستبيح قراهم ظهراً، ثم تقصف مدنهم ليلاً. وتستولي على قوافل الاغاثة. وتهجّر المواطنين. والحجج الدائمة: محاربة فلول النظام السابق، وجود مسلحين في القرى، أو ادعاء أن الهجوم قام به متفلتون.

لا توجد رغبة واضحة لدى أحد لوقف ما يحدُث. وكل الضحايا هم مجرّد أرقام وحجج لإثبات صواب الموقف. وبينما تنتشر نيران الحرب الأهلية، وتتفكّك البلاد، وتتلبس الحرب وجوهاً عدة، يرى من يقدرون أن يوقفوا الحرب أن استمرارها خير من وقفها من دون انتصار.

بشكل ما يبدو أن الحرب التي كانت تهدّد الإقليم كاملاً بالانفجار قد جرت السيطرة عليها حالياً لتظل داخل حدود البلد الأفريقي الذي ظل يحارب نفسه منذ العام 1955. مع بعض التأثيرات على جنوب السودان وإثيوبيا. وهو وضعٌ يمكن لكثيرين قبوله لبضعة شهور مقبلة. لذلك ما لم يمتلك السودانيون أصحاب المصلحة الرغبة في السلام والقدرة على فرض وقف الحرب، فإن حقائب المجتمع الدولي لن تحمل في القريب أي حل.