حان الوقت لطيّ الصفحة

04 يونيو 2021
+ الخط -

بينما تطوي إسرائيل 12 عاماً من حكم رئيس الوزراء السابق/ بنيامين نتنياهو، تُستنكر على نخبة من الشعب الفلسطيني المطالبة بطي صفحة الرئيس محمود عباس التي طالت وطولت ما يزيد عن 17 سنة. والمفارقة أن نتنياهو الذي خدم دولته بأسنانه وأظافره، ونجح، خلال سنوات وجوده على رأس حكومة تل أبيب، في تحقيق إنجازات غير مسبوقة لأي رئيس وزراء إسرائيلي سبقه، ليس أقلها ضم الجولان السوري واختراق عواصم عربية وازنة، وليس آخرها إقناع الإدارة الأميركية بنقل سفارتها إلى القدس، بعد الاعتراف بالمدينة عاصمة موحدة لإسرائيل، تُضاف إلى ذلك انتصاراته منذ كان سفيراً في الأمم المتحدة، وقبل ذلك عندما كان ضابطاً في القوات الخاصة لجيش الاحتلال، قد ينتهي المطاف به في السجن على تهمٍ ليس من بينها خيانة عظمى، ولا تنسيق أمني مع عدو، ولا تفريط بأيٍّ من ثوابت المشروع الصهيوني التوسعي. طوت إسرائيل صفحة نتنياهو، بعد أربعة انتخابات برلمانية في غضون عام ونصف العام لم تسعفه في تشكيل حكومةٍ تحظى بثقة الكنيست.

وفي المقابل، يستهجن عبدة الأصنام، ومرتزقة التسحيج مطالبة نحو ألفي أكاديمي ومثقف فلسطيني باستقالة الرئيس أبو مازن، بعد سنوات فشلٍ عجاف، تجرّع الشعب الفلسطيني أكواب مرارتها منذ وقّع محمود عباس اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل في 13 سبتمبر/ أيلول 1993. لا يقبل حملة المباخر مطالب شريحةٍ وازنةٍ من الشعب الفلسطيني باستقالة الرئيس المنتهية شرعيته منذ العام 2009. وبالتأكيد، يستعصي على أمعاء السحّيجة هضم فكرة إقالة رئيسٍ يحفل سجله بالإخفاقات والفشل المزمن على امتداد نصف قرن من وهم سلام سلَّم الكيان الإسرائيلي صكّ الشرعية على ما يزيد عن 80% من فلسطين التاريخية، ومكّن الاحتلال من باقي الأرض الفلسطينية، بعد إفراغها من أهلها بالمصادرة والهدم والسطو، وتوطين أكثر من 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية، يقطنون في أكثر من 196 مستوطنة مرخصة من الحكومة الإسرائيلية، وما يزيد عن 200 بؤرة استيطانية.

في عالم كرة القدم، يستقيل المدرّب وربما كامل الطاقم الإداري، في حال خسر الفريق بطولةً أو ربما مباراة حاسمة. وفي عالم المال والأعمال، يستقيل الرئيس التنفيذي، وربما كامل مجلس الإدارة، عندما يفشلون في تحقيق الأهداف المرسومة لهم. وجرت العادة في العالم، من اليابان إلى الصومال، على استقالة الحكومات في حال أخفقت في أداء برامجها، بل إن حكومات كثيرة تستقيل، على الرغم من تسجيل إنجازات تاريخية، لفسح المجال أمام تجديد الدماء والأفكار.

مطالبة المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين باستقالة الرئيس محمود عباس أو إقالته بقوة الشرعية الشعبية، ليست تحريضاً على الفتنة، ولا وصفةً لفتح نيران حربٍ أهلية، كما يزعم السّحيجة في محاولة بائسة لترهيب الناس، وإنما هي مطالبُ واعيةٌ ومُدركةٌ لضرورة طي صفحة من العبث السياسي، والانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ من النضال الفلسطيني رسمت ملامحها المواجهات أخيرا مع الاحتلال الغاصب، يوم هبّت صواريخ المقاومة لنجدة أهالي القدس، وخرجت اللد وحيفا ويافا لنصرة غزّة، وهي تتعرّض لسيل نيران الحقد الصهيوني المُدمر. يوم تجاوب شباب رام الله وجنين ونابلس وكل الضفة الغربية مع نداء الإضراب العام والمواجهة المفتوحة مع الاحتلال.

لقد عرّت جولة المواجهات الأخيرة مع الاحتلال على امتداد الخريطة الفلسطينية العجز المدوّي للرئيس محمود عباس وسياساته وسلطته، وكشفت عمق الهوّة بين القيادات المتحكّمة بالقرار الفلسطيني منذ عقود، وبين السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني. لم يحقّق أبو مازن لشعبه ما أنجزه نتنياهو لإسرائيل، ولا هو أفضل من الزعيم البريطاني ونستون تشرشل الذي أقصاه الشعب في انتخاباتٍ عامة، تلت انتصاره التاريخي على النازية في الحرب العالمية الثانية، ولا هو أشجع من سيف الله المسلول الذي عزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن قيادة الجيش خلال معركة اليرموك. حان الوقت لطي صفحة رئيسٍ لا يحظى بأي شرعيةٍ دستوريةٍ أو سياسيةٍ أو وطنية.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.