حاشية في لقاء "الإخوة الأعداء"

08 ديسمبر 2021

مقتدى الصدر في بغداد يلتقي قادة الإطار التنسيقي (2/12/2021/موقع وكالة الأنباء العراقية)

+ الخط -

أما وقد جمع الله الشتيتين، مقتدى الصدر ونوري المالكي، بعدما ظنّا، كلّ الظن، أن لا تلاقيا، فماذا بعد هذا اللقاء الذي أرادته إيران، كي تداري عبره بعض ما لحق بوكلائها العراقيين من خسائر أفرزتها انتخابات تشرين، ولكي تمهّد الطريق لإعادة إنتاج "العملية السياسية" الطائفية التي ضمنت لها السطوة على القرار العراقي على امتداد عقدين، وهي العملية التي تعرّضت للإنهاك الشديد والعطب، ولم يبقَ سوى تشييعها إلى نهايتها محفوفة باللعنات؟

لم يفرز لقاء "الإخوة الأعداء" هذا شيئاً ذا قيمة حقيقية يمكن البناء عليه لاحقاً، إذ خرج الطرفان، التيار الصدري والإطار التنسيقي، وكلٌّ يغنّي على ليلاه، وعرف في الأوساط السياسية أنّ اللقاء كان جافاً، ولا يحمل ملامح اتفاق، ولا حتى تقارباً في النقاط الأساسية. ولذلك، لم تزد البيانات والتصريحات التي صدرت عن شخصياتٍ محسوبةٍ على هذا الطرف أو ذاك عن أن تطرح ما تريده وتتمنّاه، وليس ما حصل اتفاقاً عليه. وبدا أنّ الصدر، وقد كان صريحاً في الإعلان بعد اللقاء مباشرة عن عدم التراجع عن موقفه، في "حكومة أغلبية وطنية، لا شرقية ولا غربية"، سعى إلى أن يُحدِث كوّةً في الجدار الصلد الذي صنعته أطراف الإطار التنسيقي، وأن "يبرئ ذمته" أمام جماهيره مما قد يُشاع عن إحداثه شرخاً داخل البيت الشيعي. وأيضاً استجابة لرغبة إيران في عقد اللقاء، وهو الذي يطمع ألّا تصل العلاقة بينه وبين طهران إلى ما صنع الحدّاد. وخوفاً من يدها الطولى التي قد تستهدفه، فيما كانت أطراف الإطار التنسيقي، ومن ضمنها المليشيات الولائية، تنطلق من "فائض ضعف" وليس من "فائض قوة" وقد أرادت، من خلال فائض الضعف هذا، تخفيف خسائرها وتزييد مكاسبها بالقدر الذي تستطيعه، خصوصاً بعد تراجعها عن التهديد باستخدام أساليب أخرى، غير الاحتجاجات السلمية. قد يكون من بين ما فكّرت فيه، في البداية، اللجوء الى حرب شوارع، ردّاً على "الغبن" الذي تزعم أنّه لحق بها جرّاء حالات تزوير حصلت في الانتخابات.

فضحت صور اللقاء المنشورة على مواقع التواصل كيف ظهرت علناً الخصومة المطبوعة بالجفاء والتجاهل بين الصدر والمالكي

وقد فضحت صور اللقاء المنشورة على مواقع التواصل كيف ظهرت علناً الخصومة المطبوعة بالجفاء والتجاهل بين الصدر والمالكي. وعلى أية حال، لم يحقق اللقاء ما أرادته طهران التي سوف تفكّر مرة أخرى في الدخول على الخط لإصلاح ذات البين بين الأطراف المختلفة، لأنّها لا تستطيع التفريط بالمكاسب الضخمة التي حققتها في العراق على امتداد 18 عاماً، والتي قد تتأثر سلبياً إذا ما قدّر للتيار الصدري أن ينجح في تشكيل "حكومة أغلبية وطنية". وقد يأخذ هذا السيناريو من جرف "العملية السياسية الطائفية" الماثلة، وربما يطيحها على نحو كامل في المستقبل، والسيناريو الآخر الذي تبدو حظوظُه مساويةً لحظوظ السيناريو السابق، وربما أكثر، هو سيناريو "خلطة العطار" بتعبير الصدر، وهو المجيء بحكومةٍ توافقيةٍ على النحو الذي يدعو إليه الإطار التنسيقي، وتدعمه واشنطن وطهران، ولكلّ منهما حساباتها الخاصة، وثمّة سيناريوهات أخرى، محتملة الظهور في أية لحظةٍ ضمن لعبة "شدّ الحبال" بين التيار والإطار. ويتوقف اختيار أحدها على قدرة اللاعبين وإمكاناتهم ونفوذهم، وكذلك على حصيلة مباحثات الملف النووي بين الإيرانيين والأميركيين، إلى جانب عوامل إقليمية ودولية أخرى، ذات تأثير وفاعلية.

يبقى موقف الأطراف السنّية والكردية التي يمكنها أن تكون "بيضة القبّان" إذا ما تحالفت مع أيّ من الطرفين الشيعيين، لكنّها قرّرت، وبضغوط إيران أيضاً، عدم التحالف مع طرفٍ شيعيّ ضد طرفٍ شيعيٍّ آخر، وقالت إنّها تقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع إلى حين تسجيل الكتلة الأكبر في البرلمان، إذ يمكنها آنذاك التباحث معها بشأن تشكيل الحكومة ومناقشة خططها. هذا يعني أنّنا سننتظر وقتاً طويلاً، قبل أن يرسو "مزاد" بيع الوزارات والمناصب العليا في الدولة على نقطة عبور، كما يعني أنّ هذه "الفوضى" التي يتّسم بها المشهد العراقي سوف تزيد من حدّة المأزق الذي يعيشه العراقيون اليوم، إذ تبقى الحلول معلقةً على ما يمكن أن يفرزه الواقع من متغيرات في الأيام والأسابيع المقبلة، وقد لا تأتي الحلول حين يحتاجها المرء، وإنما قد تتحوّل إلى مجرد أمل يظهر ويختفي. ولذلك يحدث، في أحيان كثيرة، بحسب الروائي البرتغالي الحائز على نوبل، خوزيه ساراماغو، أن يكون الانتظار هو الحلّ الوحيد الممكن.

على العراقيين، إذاً، أن يتعلّموا الانتظار والصبر!

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"