جرائم سياسية بحق المهاجرين
أثبتت تجارب السنوات الماضية أن أكثر الدول ادّعاء للديمقراطية يمكنها أن تضع كل مبادئها جانباً عندما يتعلق الأمر باللاجئين أو المهاجرين غير النظاميين. بالنسبة إليها هؤلاء خطر داهم. الغاية الأولى منع وصولهم إلى أراضيها، حتى لو ماتوا غرقاً في قواربهم المهترئة على بعد بضعة أمتار أو كليومترات من سواحلها. وللسبب نفسه، لا مانع لديها من التحالف مع كل من يبدي استعداده لأداء دور "خط الدفاع" الأول عن حدودها. تحالف إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية مع المليشيات في ليبيا نموذج. لكن البلطجة التي تمارسها الدنمارك حالياً ضد طالبي اللجوء تفوق ما يجري في أي دولة أخرى. منح البرلمان موافقته على قانونٍ يتيح إرسال طالبي اللجوء خارج أوروبا "إلى دول شريكة" بينما تُدرس طلباتهم، أي عملياً جعل طالبي اللجوء والمهاجرين لا يفكّرون بالاقتراب من حدود الدنمارك، وإلا سيتم تدفيعهم ثمناً غالياً. وسبق ذلك تكثيف العمل على ترحيل اللاجئين السوريين بحجّة أن دمشق "آمنة"، في مثال آخر على فصول من الجرائم السياسية التي تُرتكب بحق اللاجئين والمهاجرين.
لا تقل هذه النماذج سوءاً عما يجري في دول أخرى، تستضيف على أراضيها اللاجئين والمهاجرين الحالمين بالوصول إلى أوروبا. تصبح الحدود رخوةً فقط، عندما تريد هذه الدولة أو تلك إيصال رسائل سياسية إلى جيرانها الأوروبيين. ما جرى في تركيا على مدى سنوات، وما حدث أخيراً في المغرب، مثالان يمكن التوقف عندهما تجسيدا لكيف يتحوّل اللاجئون والمهاجرون إلى مجرد أوراق مساومة وضحايا ابتزاز، ويدفعون ثمن حسابات سياسية هنا وهناك. احتضنت تركيا منذ بدء موجات الفرار من سورية ما لا يقل عن 3.5 ملايين سوري، يضاف إليهم مئات آلاف على الأقل من بلدان أخرى. لا يمكن إنكار حقيقة أنها فتحت لهم أبوابها على مصراعيها، وقدّمت لهم تسهيلات وخدمات عدة، والأهم أنها شكّلت لهم البيئة الآمنة هرباً من آلة قتل وتعذيب النظام السوري، لكنهم لم يبقوا بمنأى عن استخدامهم ورقة سياسية.
على مدى السنوات الماضية، وعلى الرغم من توقيع تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً للهجرة في 2016، سُجّلت مرات عدة زيادة في وتيرة تدفق المهاجرين باتجاه اليونان. وقفة عند أبرز هذه المحطات تجعل الرابط بين توقيتها ووجود أزمة سياسية بين تركيا وجيرانها الأوروبيين ليست مهمة صعبة. وعلى الأرجح، لا شيء سيتغير في ما يتعلق بتشديد الإجراءات أو تخفيفها، ما دامت الملفات الخلافية بين تركيا والاتحاد الأوروبي بدون حلول نهائية ومستدامة.
هذا السيناريو واضح أنه بدأ يتكرّر على الحدود المغربية الإسبانية التي شهدت، قبل أسابيع، واحدة من أكبر موجات تدفق للمهاجرين إلى جيب سبتة، سواء عبر البحر أو من خلال تسلق الجدار الحدودي. صحيحٌ أن محاولة المهاجرين ليست جديدة، ومعاناتهم مستمرة وموثقة منذ سنوات، لكن حجم الأعداد كانت غير مسبوقة هذه المرّة، وما جرى تم بغضّ بصر من السلطات المغربية. أما السبب فلم يتأخر وزير الدولة المغربي لحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، في التباهي به، رابطاً بين قرار إسبانيا استقبال زعيم "بوليساريو"، إبراهيم غالي، للعلاج وفتح الحدود للمهاجرين، قائلاً إنه "كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار، وثمن ذلك، وتعرف أيضاً أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جداً". هكذا ببساطة اختار "وزير الدولة لحقوق الإنسان" توصيف الموقف، من دون أن يتوقف لحظة عند أوضاع المهاجرين، وبينهم مواطنون مغاربة، لأنهم ببساطة بالنسبة إليهم ليسوا سوى مجرد أوراق للمساومة.