جديد عبّاس العقاد
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
عُرف عن عبّاس محمود العقّاد أنه كانت لديه مكتبة عظيمة، يضرب بها المثل في اتساعها وتعدّد رفوفها. وهذا طبيعي بالنسبة لراهب في محراب الأدب مثله، ولكن المهم والأغرب أيضا أنه لم يكن قارئا من دون إنتاج أدبي، فقد ترك لقرّائه مؤلفات زادت عن المائة. وحتى هذه الساعة، وربما بسبب انكشاف غطاء حقوق المؤلف بعد مرور كل هذه العقود على رحيله (1964)، يمكن أن تصادف كتابا جديدا لم تعرف عنه من قبل للعقّاد. أشبهه بتولستوي. هل في الوسع إطلاق لقب تولستوي العرب على العقّاد؟ عندما كان كتّاب يقصدون تولستوي كان يُسكنهم في غرفة مليئة بالكتب. ذات يوم مثلا، زاره القاص تشيخوف، وحين فرغا من تناول الشاي، أخذه تولستوي إلى غرفة فيها مكتبة وطاولة، وقال له يمكنك أن تمكث وتشتغل، وأنا سأنصرف عنك إلى عملي في مكتبتي.
ما تركه العقّاد من مؤلفات يصعب حصرها، فإلى جانب عبقرياته، ثمّة دواوين شعرية كثيرة، ناهيك عن ترجمات من الإنكليزية إلى العربية. وإبداعات ومطالعات وسيَر ودراسات. أما المقالات فما أكثرها، لذلك فعنوان هذه المقالة يجد مسوّغا في ما يتعلق بجديد عبّاس محمود العقاد، لأن كتابا صدر له لم يكن موجودا من قبل إلا على هيئة مقالات متفرّقة بل مندثرة. حيث صدر منذ سنوات، وجمع في كتاب مقالات العقاد عن أبي الطيب المتنبي. كتبها في عشرينيات القرن الماضي. ونشرتها المجلة العربية التي تصدر في السعودية في كتاب، ونشرتها في أحد أعدادها. كان العقاد يسمّي المتنبّي "الشاعر العظيم" أو "الرجل الفرد الذي نظم في ديوان ما تزنه الحياة من تجارب". لم تكن تلك المقالات تعريفية عادية، بل تشكّل في مجملها سيرة كاشفة لأعماق تجربة "شاغل الناس وشاعر الدهر". وهي مقالات تحاول أن تُبحر، وإنْ بصورة صحافية مقالية في الظاهر، في تفاصيل حياة المتنبي وشعره. يكتب في أحد المقالات: "مبلغ الأصالة في تفكير المتنبّي يستوحى من مزاجه ومن ثقافته بدافع من طبعه".
وهناك حديث عن حياة المتنبّي، من أمثلة ذلك الحديث المُنصف عن والده الذي لم يكن سقّاء كادحا فحسب، إنما استطاع أن يربّي ولده تربية علمية: "روي عن أبيه أنه كان رجلا كريما كادحا، يُحسن القيام على تربية ابنه، ويدفع به إلى أساتذة عصره وأطراف البادية من حوله، لتقويم لسانه وتهذيب فكره". كما أن عظمة المتنبّي تكمن كذلك في عصاميّته، فهو لم يفخر قط بنسبه بل بنفسه: "لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي/ وبنفسي فخرتُ لا بجدودي". ومن أهم هذه المقالات "فلسفة المتنبي، فلسفة المتنبي وفلسفة نيتشه، شخصية المتنبي في شعره، ولع المتنبي بالتصغير... إلخ).
وهناك ردود على مجموعة من الكتّاب. منها ردّ العقاد على طه حسين: "المتنبّي مُكره لا حيلة له فيما صنع، وإنه لم يكن له بد من قصد كافور بعد أن همّوا بقتله في جوار سيف الدولة مرّة، وبعد أن رخص سيف الدولة في قتله مرّة أخرى، وبعد أن شجّوا رأسه بمحضر الأمير مرة ثالثة، وبعد أن علم أن ذهابه إلى بغداد أو الكوفة غير مأمونٍ ولا مأمول، فليكن بعد ذلك كله أحكم الحكماء وأصدق الطامعين، فما هو إلا مدفوعٌ على الرغم منه كما قال "ومدفوع إلى السقم السقيم". بل إنك حين تتصفّح حياته وتدرس أخلاقه وتستقري هذه الكبرياء في شعره، وفيما روي عنه، فيما كان بينه وبين سيف الدولة وعضد الدولة وغيره ممن اتصل بهم، لا تجد أثرا للكبرياء الممقوتة التي تحطّ من قدر صاحبها، وتلحقه بالمغرورين الذين يتعالون في غير علوّ، ويفخرون بغير ما سبب فخر. إنما تجد عظمة أدبية واعتدادا بالنفس وصونا لكرامة الأدب والأديب عن الصعلكة والمهانة، ففرض على الناس احترامه. وفي مجالس الملوك والأمراء، لا يلقي شعره إلا جالسا، وذلك تكريما للأدب وللشاعر".
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية