ثمن الحرب الأميركية على داعش

23 سبتمبر 2014

عراقي يمسح شعاراً لداعش في بلدة في الأنبار (سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

طبيعي أن تؤيد الأنظمة العربية، بل وتشارك في، الائتلاف الدولي لمواجهة "داعش"، فالمسألة لديها ليست خوفاً من الحركة نفسها، بل لأن الحرب على داعش توفر لها فرصة القضاء على قوى التغيير، وتبرير القمع، وتثبيت دور وظيفي لها، يضمن رضا ودعماً أميركيين. لكن تأييد النخب للتدخل العسكري الغربي، حتى من القوى والأصوات، التي عارضت الغزو الأميركي في العراق، وحلاً غربيا ضد النظام في سورية، هو مؤشر على حالة الرعب والعجز التي تسود المجتمع العربي.
الخوف غير المسبوق، الذي يشل التفكير والرؤية، ليس مبعثه حجم داعش، لكن مصدره اتساع التجاوب مع  داعش يصل إلى تبرير كل جرائمها، أي أن هناك خوفاً من نهوض مارد مدمر صنعته المفاهيم المشوهة وحالة التهميش والقهر والفقر، نتاج عقود من الاستبداد.
لذا، لنخبٍ كثيرة مستعدة لغض النظر عن الموقف من طبيعة التدخل الأميركي، وتاريخه، على الرغم من آثاره، لا تزال ماثلة، خصوصاً في العراق، لإنقاذ ما تراه طريقة حياة، تتعرض إلى هجمة ظلامية، وعليه، فإن نخباً كثيرة، أيضاً، تغض النظر عن قمع الأنظمة وظلمها، تحت شعار القضاء على داعش وأخواتها. فنرى أن الجدل القائم يطرح الحل العسكري، بقيادة أميركا، حلاً وحيداً، وبالتالي، ندخل في فخ مطالبة المعارضين لهذا التوجه طرح حلول بديلة، تعفينا من مواجهة الأنظمة، باتخاذ سياسات جديدة لتجفيف منابع الفكر، وبالتالي، حاضنة التطرف الديني، خصوصاً أن الأنظمة نفسها ساهمت في صنع هذه الظاهرة، وبتأييد، بل وأحيانا بتمويل، أميركي.
 كانت النتيجة تحالفاً ضمنياً بين نخب كثيرة، وحتى فئات شعبية، مع الأنظمة، التي بدأت معها في فرض سياسات الظلم والتفقير، مستفيدة من بعبع داعش، فلم تعد تحت ضغط حقيقي لمواجهة جذور التطرف ومعالجتها، باستثناء الحلول الأمنية، فانقسمت مجمعاتنا طولياً، تاركة المقهورين لهيمنة الفكر الداعشي، بأحكامه المطلقة، متنفساً لليأس والغضب.
ليس ذلك كله مقنعاً لمؤيدي التدخل، لأنهم لا يريدون حلاً غير القضاء الجسدي على داعش، لكن السؤال هو هل الحرب العسكرية، بما في ذلك المجازفة بدخول دول في أجندة أميركية، تتناقض مع مصالح الشعوب، ستنجح حقاً في القضاء على داعش؟
التجربة في أفغانستان والعراق أدت إلى نشوء مشتقات جديدة، في بعضها أشد وحشية وتطرفاً من القاعدة نفسها، فداعش نفسها من إفرازات الحروب الأميركية، إذ إن إنتاج "إسلام سياسي" متطرف على أساس الوهابية، كان من أعمدة السياسة في مواجهة المد، الشيوعي واليساري والقومي، في المنطقة، وحين انقلب السحر على الساحر، ودخلت القاعدة في صراع أميركا، كان العالم العربي هو الخاسر، لأن القاعدة أصبحت لدى كثيرين الجواب على الهيمنة الأميركية.
في العراق، رأينا تنظيمات قاعدية المنشأ، أو الإلهام، دخلت على خط المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، فضربت المقاومة من الداخل، وساهمت في تعميق الشرخ الطائفي، وفي سورية ركبت مجموعاتٌ منشأ معظمها القاعدة في العراق، ما أضعف المطالب الشعبية المحقة، وأدى إلى تقويض الانتفاضة السورية نفسها.
الحروب الأميركية لم تهتم باستئصال التطرف، بل باحتواء تأثيره على مصالحها ومصالح إسرائيل، فسيادة حركات ظلامية للمواجهة مع أميركا، يقوي الدور الأميركي في المنطقة، لأنها تصبح المنقذ الحضاري، فيما تستمر في دعم إسرائيل وتنفيذ سياساتها الاستعمارية.
السؤال دائماً، ما الحل؟ لكن قبل ذلك، علينا الاعتراف بأن التدخل الأميركي، ومن التجربة، لن يُضعف، بل سيزيدُ، التطرف انتشاراً، وإلا فنحن على انقطاع مع الواقع.

 

 

 
 

كاتبة وصحفية
كاتبة وصحفية
لميس أندوني
كاتبة وصحفية من الأردن
لميس أندوني