ثريدز وتويتر ... صراع الخير والشر؟
أطلقت شركة "ميتا"، المملوكة لمارك زوكربيرغ، والمالكة فيسبوك وواتساب وإنستغرام، تطبيقا جديدا، قيل إنه يمزج بين وظيفتي إنستغرام من جهة، وتويتر، المملوك لإيلون ماسك، من جهة ثانية. وبالفعل، شارك عشرات الملايين في هذا التطبيق الجديد (ثريدز) منذ الأيام الأولى لإطلاقه، خصوصا أنه يعتمد على قاعدة بيانات المشتركين في إنستغرام، الذين يمكن لهم التسجيل فيه مباشرة، حتى وصل عدد المستخدمين إلى مائة مليون في الأيام الخمسة الأولى لإطلاق التطبيق.
هذا كله طبيعي في إطار المنافسة بين شركات التكنولوجيا الكبرى، لكن الغريب احتفاء أشخاص ووسائل إعلام عدّة، بالتطبيق الجديد، وتشجيع الجمهور على الاشتراك فيه، ووصفه بأنه "قاتل تويتر!"، وبأنه "سيوجّه الضربة القاضية لتويتر"، وتصويرهم الأمر كأنه صراع بين الخير، الذي يمثله التطبيق الجديد، والشر، المتمثل في إيلون ماسك.
منبع الاستغراب (والاستنكار) هنا، أنه جاء من أفراد ووسائل إعلام في الوطن العربي، إذ أدخل هؤلاء أنفسهم في صراع عمالقة التكنولوجيا، وقرّروا الانحياز إلى طرفٍ على حساب الآخر، الذي تحوّل في نظرهم إلى شيطان مريد! ذلك أن التجربة العربية مع مواقع التواصل لا تشير إلى هذه النتيجة في أي حال.
من واقع خبرتي صحافيا عربيا، عانيت كثيرا من سياسات شركة ميتا، المنحازة بشكل صارخ إلى إسرائيل، مقابل التضييق على كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية، وإلغاء آلاف الحسابات والصفحات الفلسطينية على فيسبوك، وفرض عقوبات على الكلمات المرتبطة بالقضية، مثل: المقاومة، والشهداء، وحماس، والجهاد الإسلامي، بل وحتى نشر صور ملثمين، بالإضافة إلى تهديد المنصّات التي تنشر وسوما فلسطينية، مثل وسم "أنقذوا حي الشيخ جراح" قبل عامين.
من المبكّر الحكم على مستقبل تويتر، واحتمالات نجاحه، لكن يجب حصر الأمر في إطار التنافس بين شركات التكنولوجيا ومالكيها، الذين لا يعبأون بأي قيم
وتشمل قائمة العقوبات التي يطبقها فيسبوك وتوابعه إجراءات عدة، مثل منع الحسابات من إمكانية التعليق، أو من البثّ المباشر، وإخفاء المنشورات، وحذف متابعين، ومنع وصول المنشورات إليهم، وصولا إلى حظر الحساب مؤقتا أو دائما، حتى إن فيسبوك حجب صفحة وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ثلاث مرات، فضلا عن الاستجابة لأكثر من 90% من شكاوى الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالمحتوى الفلسطيني، مقابل غضّ الطرف عن خطاب الكراهية الإسرائيلي، وهو ما يدفع الصحافيين إلى استخدام طرق عدة للتحايل على هذه المحاذير، مثل وضع نقاط بين أحرف هذه الكلمات، أو كتابتها بدون نقاط، أو وضع فواصل أو رموز وغيرها من الطرق.
لسنا هنا بصدد تفضيل طرفٍ على حساب آخر، لكن الصورة الكاملة تُخبرنا أنه لا ملائكة وشياطين هنا. وقد تنبّه كثيرون إلى هذا، خصوصا أنهم لم يجدوا في التطبيق الجديد إضافاتٍ ذات قيمة، فقرّروا إلغاء حساباتهم بعد أيام، وربما ساعات، من تدشينها. وبالفعل شهد "ثريدز" تراجعا كبيرا في أعداد المستخدمين، وكذلك في الوقت الذي يقضونه في تصفّحه. لذلك، لا يجب تصديق "الزّفة" المصنوعة على التطبيق، ذلك أن معظم المشتركين ذهبوا من باب التجربة، وجميعهم تقريبا جاءوا من إنستغرام، ومن الصعب للغاية أن تنجح أي منصّة جديدة في إلغاء المنصّات الموجودة بالفعل، خصوصا أن جمهور تويتر غير جمهور إنستغرام، وتؤدّي كل منصة وظيفة مختلفة عن الأخرى.
من المبكّر، بالطبع، الحكم على مستقبل التطبيق، واحتمالات نجاحه، لكن يجب حصر الأمر في إطار التنافس بين شركات التكنولوجيا ومالكيها، الذين لا يعبأون بأي قيم. ولذلك لا معنى للشعور بالحماسة تجاه أحدهما على حساب الآخر والمشاركة في الحشد والتعبئة لصالحه.