ثرثرة سهى عرفات

31 اغسطس 2020
+ الخط -

لا تخلو النكتة التي ذاعت، قبل أكثر من عقدين، من بعض السماجة، أن ياسر عرفات ارتكب خطيئتين: اتفاق أوسلو وزواجه من سهى الطويل. تأتي إلى الخواطر، في غضون حيّزٍ عريضٍ تشغله السيدة المحترمة، منذ أيام، في الإعلام وساحات الفضاء الرقمي. وكان الظن أنها هناك، في مالطا، معتنيةٌ بنفسها وابنتها فحسب. وكان الرأي أنه طيبٌ منها غيابُها عن أجواء الحال السياسي الفلسطيني، كما هو حسنٌ من أهل النمائم أنهم كفّوا دسّ أنوفهم في شؤونها، بعد أن مرّت، قبل أزيد من عقد، أنباءٌ عن مذكّرة توقيفٍ ضدّها أصدرها القضاء التونسي، بتهمة اختلاسٍ في ملف مدرسةٍ كانت تملكها بالشراكة مع ليلى طرابلسي، زوجة الرئيس زين العابدين بن علي (أرملته حاليا). ومعروفٌ أن خلافاتٍ حادّة نشبت بين المرأتين، كان من نتائجها سحب الجنسية التونسية من سهى الطويل، وخروجُها من البلد، بعد فضّ الشراكة. ولسنا بالطبع مضطرّين إلى تصديق تلك التهمة في سياقٍ ركيكٍ كهذا، ولمعرفتنا بيدٍ طولى كانت للسيدة طرابلسي وبعلها في القضاء (وغيره) في عهدهما، سيما وأنها يدٌ مرجّحةٌ في قصةٍ كتلك، ليس من الحصافة أن يشغل واحدُنا نفسَه بأرشيفها، فيما قدّامه قصّةٌ طازجة، ومنسوب الركاكة فيها أعلى كثيرا مما حضر في قصة الشراكة في مدرسةٍ مع امرأةٍ كانت متجبّرة في زمن مضى وانقضى.
عجيبٌ أن ملمّاتٍ فلسطينيةً وفيرةً مرّت في السنوات العشر الأخيرة، ولم تستدعِ من سهى عرفات موقفا تُشهره (ربما هذا أفضل)، إلا أن إساءاتٍ اقترفها فلسطينيون معدودون تجاه علم دولة الإمارات أخذت السيدة المحترمة إلى "إنستغرام"، لترفض منه هذا السلوك. وليس في الوسع إلا الإتفاق معها، غير أنها لم تُشهر موقفها هذا باسمها، وإنما قدّمت اعتذارا إلى شعب الإمارات وقيادته باسم "الشرفاء من الشعب الفلسطيني". والمؤكّد أن أيا من شرفاء هذا الشعب لم يفوّض سهى عرفات للنيابة عنه في إعلان اعتذارٍ كهذا. وعندما بادر فلسطينيون في نابلس إلى تنظيم فعاليةٍ ترفض التحالف المشين بين أبوظبي وإسرائيل، رفعوا في أثنائها أعلام الإمارات واستمعوا إلى النشيد الإماراتي الوطني، لم يكونوا يأخذون بما توصيهم به السيدة المحترمة التي تجاهلت ما ألحقته قيادة الإمارات الراهنة، في تحالفها هذا، من أذىً فادحٍ بفلسطين.
لم يكن كلام سهى عرفات هذا ليستحقّ أن يُؤخذ على محمل الجدّ، وإنْ كان ضروريا أن يوجَّه إليها ما يجب أن تعرفه، أنها لا تمثّل غير شخصها المحترم، لولا أنها تاليا استطابت مزيدا من الثرثرة، من على شاشة قناةٍ للتلفزيون الإسرائيلي. وهنا من شديد الضرورة أن تُقرَّع على رداءة مسلكها هذا، ليس فقط لأنها أضافت للجمهور الإسرائيلي سببا جديدا للسخرية من الهزليات الفلسطينية التي لا يُراد لها أن تتوقّف، وإنما أيضا لأن لسانها فلت، بتهديد مسؤولين في السلطة الفلسطينية، بفتح نار جهنم عليهم إنْ نشرت ما لديها من أرشيفٍ للراحل ياسر عرفات عنهم. وكارثيٌّ أن هذه السيدة مؤتمنةٌ على ارشيفٍ للزعيم الراحل، فيما مؤسسةٌ تحمل اسمه، ولها مجلس أمناء، وميزانيات، يُفترض بها أن تحمي هذا الأرشيف، وأن تنشط في جمعه (كثيرٌ منه في تونس في حماية الدولة التونسية.. ما أخباره؟) ومن شديد البؤس أن أرملة عرفات خلّت البساط أحمديا مع مستمعيها الإسرائيليين، وهي تتحدّث عن انتصار أبو عمارة، مديرة مكتب الرئيس محمود عبّاس، بما يوحي أن هذه السيدة (السكرتيرة بتعبيرها) تحكم وترسُم، وأنها وراء حملة تحريضٍ ضدّها. وعجيبٌ أكثر أن سهى الطويل تهدّد ناس السلطة بقدرة أسرة ياسر عرفات على تجميع الناس أكثر من السلطة (!). والبادي أن هذه المرأة تحتاج إلى أن يردعها قرارٌ فلسطيني من نوعٍ ما، ليس في وُسع صاحب هذه الكلمات أن يقترحه، بدلا من حاجتها إلى حمايةٍ طلبتْها من الرئيس عبّاس، على الشاشة الإسرائيلية، وتاليا  من عبد الفتاح السيسي على شاشة قناةٍ تلفزيونيةٍ مصرية (!).
لا تنتسب ثرثرات سهى الطويل هذه (كما سابقاتٌ لها وكما قد يستجدّ مثلها تاليا) إلى هزلياتٍ من النوع الذي يأخذُك إلى البهجة والضحك، كما كان يفعل ياسين بقوش وعبد السلام النابلسي وماري منيب، وإنما من النوع الذي يبعث على حزنٍ كثيرٍ على حال فلسطينيٍّ كلما ظننتَ أنه على منسوبٍ من الركاكة تعرفه، يُفاجئك أن الفائض منها في هذا الحال يتجاوز سقوف خيالك.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.