تونس بين اليأس والتغوّل
أوقفت شرطة مكافحة الإرهاب في تونس، في 22 فبراير/ شباط الماضي، الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، مع عضوة جبهة الخلاص الوطني، شيماء عيسى. يومها لم يكن الشابّي أو عيسى أول الموقوفين في قائمة المعتقلين الذين اختار الرئيس التونسي قيس سعيّد وضعهم في السجون عقاباً لهم على آرائهم السياسية المعارضة. لكن الخطوة كانت مفاجئة، نظراً إلى موقع الشابي ومكانته. وأثبتت الأيام التالية أنهما لم يكونا آخر المعتقلين أيضاً، إذ لا تزال السبحة تكرّ لتشمل موقوفين جددا، ولم تعد تقتصر على كلّ من هو محسوبٌ على جبهة الخلاص الوطني.
وعندما اعتقل رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، في 17 إبريل/ نيسان الماضي، ساد اعتقادٌ بأن التوقيف لن يمرّ من دون موجة احتجاجية واسعة، نظراً إلى رمزية الغنوشي وما تمتلكه الحركة من جمهور، لكن الأيام اللاحقة أظهرت أن هذا الاعتقاد في غير محلّه. وعلى الرغم من الوقفات الاحتجاجية المتكرّرة والمؤتمرات الصحافية، إلا أنه لم تسجّل تظاهرات كبيرة. وكان واضحاً أن وتيرة الاحتجاجات التي بدأت منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 تتراجع مع الوقت وحتى حركة بحجم "النهضة" تبيّن أنها عاجزة عن تأمين احتجاج شعبي واسع.
يمكن إيجاد تفسيراتٍ عديدة لهذه الظاهرة، منها ما يرتبط بيأس التونسيين من الشأن السياسي بعد أكثر من عقد من الثورة وما رافقها من محطّات ومطبّات والغدر بالتجربة الديمقراطية على مراحل قبل أن يحل انقلاب 25 يوليو الذي شكّل مساراً قاتلاً لها. ويبدو التونسيون اليوم أكثر انشغالاً بأزماتهم الاقتصادية والمعيشية، ويركّزون على تأمين قليلٍ من الخبز والوقود والدواء، وهي تكاد تتحوّل إلى سلع نادرة في السوق، أكثر من أي شأنٍ سياسي.
هذا التراجع في وتيرة الاحتجاجات يمكن ردّه أيضاً إلى غياب الثقة في المعارضة، فالأخيرة تعجز، رغم كل التنكيل بحقّها، عن إيجاد مسار واضح للتنسيق والتعاون في ما بينها، وهو ما يصعّب من أيّ ضغط أو مسعى إلى إحداث تغيير. أصبحت أضرار استمرار حالة التشرذم هذه تطغى على أي تصوّر آخر، فكيف يمكن إقناع التونسيين بأن هذه القوى المعارضة قادرةٌ على أن تكون البديل أو تقود مواجهة تغوّل سعيّد إذا كانت عاجزة عن تقديم رؤيةٍ بديلةٍ متفق عليها. كما لا يمكن إغفال عاملٍ مهم، هو غياب الاتحاد التونسي للشغل، بما يملكه من قدراتٍ تنظيمية على الأرض جرّاء استمراره في أخذ موقفٍ "محايد" عن المعارضة، رغم كل ما تعرّض له من ضربات في الآونة الأخيرة من سلطات قيس سعيّد.
يستفيد الرئيس التونسي من هذا الوضع، للإيحاء بأن لا معارضة واسعة ضدّه، وأن الأصوات المنتقدة ليست أكثر من ضجيج سيخبو تباعاً في الوقت الذي يستخدم فيه خطاباً شعبوياً بامتياز، ويضع معارضيه في خانة المتواطئين والمتآمرين، لا عليه، بل على الدولة التونسية، وإن كان لا يفصل بين شخصه والدولة على قاعدة "أنا الدولة والدولة أنا". لكنه يعي أنه مهما بلغ في تغوّله على الحياة السياسية والديمقراطية في تونس، عبر انتهاج سياسات من سبقوه في قمع المعارضة ومحاولة إسكاتها، فإن تجارب الماضي تقول إنه لن يستطيع القفز على حقيقة أن الحركات المعارضة لن تخبو، رغم كل الاضطهاد الذي يعصف بها. ولذلك، الاعتقالات التعسّفية التي تبلغ ذروتها قبل ذكرى مرور عامين على انقلابه، والتي ركّزت على جبهة الخلاص التي كانت الأوضح في توصيف ممارساته بالانقلاب، ثم انتقلت لتشمل شخصياتٍ سياسيةً أخرى ونقابيين، وما يتعرّض له الموقوفون من انتهاكاتٍ لحقوقهم، وإن كانت تصبّ في اتجاه وحيد حالياً، يتمثل في تقويض أي قدرة لمعارضيه على العمل بحرية وفعالية، فإن بقاء هذا الوضع على حاله ليس مضموناً.