تونس أمام حلّ وحيد
حال تونس من سيئ إلى أسوأ. قد يقول قائل إنها لا تختلف كثيرا عن بقية شقيقاتها العربيات. وهذا صحيح إلى حدّ ما، لأن أغلبية البلدان العربية تعاني من الديكتاتورية والفساد وانسداد الآفاق. إلا أن تونس كانت، حتى وقت قريب، قد شارفت على تجاوز المطبّات السيئة، حتى ظهر الرئيس قيس سعيّد ليقلب الطاولة، ويفسد كل أحلامها الخضراء. ولا تمتاز تونس عن بقية العرب في أنها تجرّأت فقط على الطاغية زين العابدين بن علي، الذي حكمها بالحديد والنار، وتمكّنت من خلعه من دون أن تدفع ثمنا غاليا، بل إنها نجحت في إدارة المرحلة الانتقالية من دون حروبٍ داخلية، وتمكّنت من سن دستور جديد، شاركت في كتابته الأطراف السياسية والاجتماعية وهيئات المجتمع المدني، ولقي تقديرا دوليا.
كانت الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي محطة مهمة، لأنها قدّمت دليلا صريحا على المسافة الشاسعة التي تفصل بين الرئيس التونسي والمواطن العادي الذي استخدم سلاح المقاطعة ليقول كلمته، ويعبّر عن رأيه حيال تعطيل كل شيء في البلد، من رئيس عطّل العملية الديمقراطية، ويفتقر إلى الرؤية والتخطيط من أجل التقدّم إلى الأمام. وليس أمرا عاديا أو مسألة تفصيلية، يمكن تجاوزها ببساطة، حينما يقرّر أكثر من 90% من المواطنين المقاطعة. وهذه النتيجة السلبية ذات وجهين. الأول أن المقاطعة جاءت رد فعل شعبيا على الإحباط من عدم وجود مشروع ورؤية لدى سعيّد، الذي أوصل البلد إلى حالة من الشلل نتيجة تخبّطه. والثاني أن هذا مؤشّر واضح على أن الوضع مرشّح لأن يخرج من تحت السيطرة، فلا الرئيس نجح في إدارة البلد، ولا المعارضة تحظى بالثقة الكافية التي تجعل الأغلبية ترى فيها سفينة خلاص، بعد أن جرّبها التونسيون عدة مرات، وفشلت في تقديم نموذج مختلف، رغم أن الرأي العام كان مهيأ، وكان الاحتضان الشعبي للتفاهمات التي حصلت بين حزب "نداء تونس" بزعامة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي ما بين 2014 و2019، ذا دلالة بالغة على أن الشارع سبق الأحزاب إلى قراءة المرحلة، وفهم أن توافق الأطراف السياسية المختلفة هو المطلوب، وليس تنازعها وتناحرها من أجل المناصب والامتيازات.
جاءت الانتخابات أخيرا لتؤكّد أن زمن السقوط الأفقي لعهد سعيّد شارف على النهاية، وأعلنت عن ختام مرحلة فشل فيها الجميع، الأحزاب التي تداولت على الحكم منذ رحيل بن علي من جهة، وانقلاب سعيّد من جهة أخرى، ولم يبق أمام البلد إلا السقوط في المجهول. وما يفاقم من الحالة الميؤوس منها الوضع الاقتصادي السيئ، فالبلد على حافّة الإفلاس، ونسبة البطالة بين الشباب في ارتفاع متواصل، وكذلك التضخّم والأسعار، وهناك تقديراتٌ متشائمة جدا للمستقبل القريب ترى أن تونس لن يكون في مقدورها أن تقف على قدميها في العام المقبل، وستعدم وجود مصادر تساعدها على مواجهة الأزمات المتلاحقة. وفي ظل التدهور المتسارع والفشل في إدارة البلد، لن تجد الحكومة التونسية من يقدّم لها مساعدات وقروضا أو يقوم بالاستثمار، وما يبحث عنه رأس المال هو الاستقرار والثقة والضمانات.
باب الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينفتح أمام تونس قبول سعيّد اقتراح الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكّرة. ويمكن لطريق الحل أن يبدأ من انتخاب رئيس جديد للدولة يكون مستعدّا لقيادة مشروع للإنقاذ، يقوم على معالجة أخطاء المرحلة الماضية وفتح آفاق جديدة، وهذه قضية لا يستطيع طرفٌ واحد أن ينهض بها، بل تحتاج إلى توافق وطني سياسي، اجتماعي، اقتصادي.