تنظير جميل والله المُستعان

10 يونيو 2024

(عادل ثابتي)

+ الخط -

يُعرّف الذكاء الاجتماعي بأنّه القدرة على التعاطي والانسجام والتآلف مع الآخرين، ويوصف الشخص بالذكي اجتماعياً حين يتمتّع بقدرة كبيرة على التعاطف مع الآخرين، وبالمرونة في التعامل والاستماع إليهم، واحترام آرائهم ومواقفهم، والقدرة على فهم (وإدراك) مشاعرهم وأحاسيسهم، وتندرج تحت تلك الصفة عدة مهارات، مُفترض توفّرها، مثل مهارات الاستماع والحوار، والتحكّم وضبط النفس في حالة الغضب. ولا يمكن أن يُعدّ الواحد منّا ذكيّاً اجتماعياً ما لم يكن ذكيّاً عاطفياً؛ يتحلّى بالقدرة على تحديد عواطفه واستخدامها وفهمها وإدارتها بطرق إيجابية لتخفيف التوتّر والتواصل بفعالية، ما يُؤدّي إلى زيادة الثقة بالنفس وكسب احترام الآخرين، وتحقيق النجاح في الصعيدَين المهني والاجتماعي، من خلال تكوين علاقات شخصية متينة قابلة للاستمرار، ما يُحقّق التوازن النفسي. ويُؤدّي، في النتيجة، إلى بيئة حضارية متوازنة تسودها المحبّة والاحترام والتفاهم والانسجام، والقدرة على استيعاب المُختلِف، ومحاولة التعرّف إلى أفكاره ومعتقداته، والبحث عن مُشترَكات معه.
ما سلف، كلّه، يبدو تنظيراً جميلاً يشي بنمط تفكير حالم يتميّز به خبراء التنمية البشرية، في العادة، وهم يروّجون فِكَرَاً إيجابية، من شأنها تطوير الأفراد وتنمية ذكائهم الاجتماعي، وذكائهم العاطفي، سعياً إلى حياة سعيدة خالية من المُنغّصات، وقد يتحقّق ذلك لمجتمعاتٍ مُتقدّمة تدرك قيمة الفرد وأهمّية دوره في نهضة مجتمعه، غير أنّ المشهد في منطقتنا مختلف كلّياً، ولا سيّما في زماننا الراهن، إذ تسود العلاقات مظاهر العدوانية والعصبية والفوقية، وضيق الأفق ورفض الآخر، وتوهّم الأفضلية واحتكار الحقيقة، ويمكن رصد هذا النمط السلبي في معظم أشكال العلاقات، سواء العلاقات بين الجيران، إذ اختفت مظاهر التوادّ والتراحم التي تربّينا عليها، وأصبح سكّان البناء نفسه لا يعرفون بعضهم بعضاً، وقد لا يتبادلون التحيّات إذا ما تصادفوا في المصعد، ولا تخلو العلاقات بين الزملاء من الأنانية والغيرة والحقد وحبك المكائد والمؤامرات، في سياق التنافس، غير الشريف في معظم الأحيان. ولا يختلف الأمر بين الأقارب، فالخصومة والقطيعة والجفاء، لأسباب واهية، هي العنوان الأبرز لكثير من العلاقات بين ذوي القربى، حتّى الصداقة الحقيقية، وهي أكثر أشكال العلاقات حرّيةً بين الأفراد لأنّها تنشأ بالاختيار وبالإرادة الحرّة لأطرافها، فقد أصيبت بالعطب، فتحوّل الأصدقاء المُقرّبون معارف يتبادلون المُجاملات في المناسبات، وتقتصر لقاءاتُهم على بضعة عبارات في صفحات التواصل الاجتماعي.
حدث معي، وفي يوم واحد، أن اضطررت للفصل في نزاع بين جيران وصل إلى الضرب والتكسير، وتدخُّل الشرطة، لسبب سخيف كان يمكن تداركه لو تحلّى الأطراف بشيء من سعة الصدر، وفي طريقي إلى ندوة ذات طابع سياسي تعرّض سائق بجواري لشتيمة بذيئة من العيار الثقيل، لمُجرّد أنّه توقّف عند الإشارة عندما كان لونها برتقالياً، من سائق مُستعجِل ظلّ يُطلق بوق سيّارته كي يحثّه على المسير، رغم أنّ الإشارة أوشكت على الاحمرار، ما دفع الأول إلى الترجّل من سيّارته حاملاً عصاً غليظةً انهال بها على زجاج سيّارة السائق الشتّام، ما أدى إلى تعطّل السير وتدخّل مجموعة من الشبّان لفض الخناقة حامية الوطيس. حين وصلت مقرّ الندوة، التي نُظّمت لإجراء حوار بين شخصية سياسية مرموقة وجمع من المُهتمّين بالشأن العام، كان يتحدّث بنبرة غاضبة ساخطة مُقرّعاً أحد الصحافيين، الذي وجّه له سؤالاً وجد سعادته أنّه سؤال مُستفِزّ، فلم يتمالك أعصابه ولم يُفكّر بتقديم نموذج في أدب الحوار، وفي مهارات التواصل الاجتماعي، وكيفية ضبط النفس، بل أرعد وأرغى وأزبد، مُؤكّداً أنّه فعلاً "ما فيش فايدة".

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.