تلفزيون العربي في قطر
تتوالى فيك حزمة انطباعات، من متابعتك أخبار تلفزيون العربي وبرامجه، في الأسبوع الذي مضى. أولها أن انتقال بثّه من لندن إلى مقرّه الجديد في لوسيل، شمال الدوحة، ليس انتقالا من بلد إلى بلد، وإنما انتقالٌ من طوْر في الإنجاز والحضور إلى طوْر آخر متقدّمٍ فيهما، من إيقاع إلى آخر، من مستوىً في الرهان الأساس لهذه الشاشة العربية، الناهضة، إلى مستوىً جديد في الرهان نفسه على تحقيق النجاح الذي يوازن بين الجاذبية البصرية وتقديم خدمةٍ إخباريةٍ تحليليةٍ للمشاهد، عمادها الحقيقة واحترام العقل والانحياز إلى الإنسان العربي وقضاياه وحقوقه وحرّياته. ولا تزيّد هنا في القول إن النجاح معقودٌ لتلفزيون العربي في مضيّه في خياره هذا، وذلك للحماس الظاهر في أداء العاملين في القناة، بمختلف مواقعهم ومسؤولياتهم ومهماتهم، إذ وجدوا أنفسهم أمام تحدّي إثبات قدرتهم على تقديم الجديد والمختلف، وعلى اقتراح جمالياتٍ مشهديةٍ وتنويعاتٍ بصريةٍ حيويةٍ تنشدّ إليها أبصار المشاهدين، وفي الوقت نفسه، تحدّي الموازنة بين المعلومة الصحيحة والتحليل الرزين، بين حسّ المسؤولية وتنوع الآراء، بين الحرية والقانون، بين الثقة بالذات والتعلّم المستمر المستمد من التجارب الدائمة.
ليست الروح الرفاقية ولا زمالة العمل ما يأخذان صاحب هذه الكلمات هنا إلى يقينه بأن نجاح مشروع تلفزيون العربي مؤكّد، في مرحلته الجديدة، بعد نجاحه في مرحلة التأسيس (العام 2015)، وقد أحرز موقعه في صدارة الفضائيات العربية، وإنما ما لمسه وعاينه مباشرةً من شرائح متنوعة وعريضة من الجمهور العام، حيث قامت الثقة ثم تعزّزت، وحيث تجاوز هذا الجمهور مبكّرا فترة الاختبار والاستكشاف في علاقته مع شاشة "العربي" إلى ما نعرف الآن من صلةٍ يوميةٍ، ومواظبةٍ على انتظار الخبر والتحليل من هذه الشاشة، فضلا عن المتعة وشيءٍ من التباسط في برامج منوعة تطوف بين جديد الفنون والإبداعات، وبرامج تأتي على هموم اجتماعية وقضايا أسرية وتعليمية وشؤون عامةٍ بلا عدد. وأظنهما المصداقية الظاهرة، الموصولة بالنبرة الرصينة، والصورة الحيوية المريحة، والتي تأنس لها العيون وتأتلف معها، ما أحدثا هذه الصلة.
يتحدّث مدير التحرير في تلفزيون العربي، الزميل محمود عمر، لـ"العربي الجديد"، عن بنيةٍ أكثر استقرارا في قطر، تعزّز التخطيط للمستقبل بثقة أكبر، وعن مزايا لوجستية، وعن توسيع الخيارات في استقطاب الكفاءات والطواقم والضيوف. ويتحدّث عن "مرحلة تطوير شاملة" في التلفزيون. والقول هنا إن زائر مقر التلفزيون في لوسيل، إذا ما تجوّل في مساحته المنبسطة باتساع باهر، (7500 متر مربع)، ورأى خليّة النحل النشطة في المكان، وطافت عيناه بين تفاصيل في هذا الموضع وأخرى في ذاك، لن يغادره الإحساسُ بأن فضاءً مثل هذا، اجتهد أهل الإبداع والابتكار من الزملاء العديدين في تصميمه وفق تصوّرات حديثة، تيسّر التواصل والاتصال، واحد من حوافز غير قليلة لمختلف العاملين من أجل إنجاح "مرحلة التطوير الشاملة" التي بدأت، فيما أقدّر، منذ أولى دقائق البثّ الجديد الأسبوع الماضي. وقد يسّرت لهم إدارة مؤسسة فضاءات ميديا التي يتبع لها التلفزيون كل ما أمكنها من أسباب الاستقرار المعيشي والمهني.
تلفزيون العربي، منذ يومه الأول، وعلى ما تأكّد في أداء جميع العاملين فيه، مشروع إعلامي وليس سياسيا، مشروعٌ مهني ينظر إلى الأحداث بعيون الباحث عن الحقيقة وما وراءها، ولا يتنكّب أمرا غير هذا. والزملاء الذين يزاولون عملهم فيه منذ بداياته الأولى قبل ثماني سنوات، ومن تبعهم لاحقا، وكذا الذين التحقوا به في الدوحة، ممن استكشفت إدارتُه إمكاناتهم وقدراتهم، يقيمون على هذه القناعة. ومع تنوّع أمزجتهم وخياراتهم السياسية، إلا أنهم على الانحياز الموضوعي الثابت لقيم نبذ الاستبداد، ولنضال الشعب الفلسطيني، والإيمان بقدرات الشعوب العربية وحقوقها في الحرية والديمقراطية. وهذا البعد مدماك أساس لمشروع تلفزيون العربي الذي يتوفر، في طوره الجديد، على أحدث الأنظمة التقنية وتكنولوجيات التصوير وأرفع الطرائق الرقمية ومن أكثر وسائل العرض البصري رقيا، من أجل أن يطرح مضامينه بروح حديثة وإبداعية، مع التسليم بأن أفكار الجدّة والابتكار لا تتوقف، وقبل هذا وبعده، مع بقاء حق النقد والاختلاف محميا.
تلفزيون العربي في أرض عربية مرحلةٌ واعدةٌ وطموحة، مدفوعة بما سبقها من إنجازٍ مؤكّد وثقة عالية من جمهور محب.