تصعيد أم انفراج في اتفاق إيران النووي؟
أعطى المرشد الإيراني علي خامنئي أوضح إشارة عن احتمال التوصّل إلى اتفاق (مؤقّت ربما) مع واشنطن بشأن برنامج بلاده النووي، بقوله إنه "منفتحٌ" على اتفاق مع الغرب لا يمسّ بنية بلاده النووية. وهذه، في العادة، طريقة النظام في إيران لإبلاغ الرأي العام بالاستعداد للنزول عن الشجرة بعد سنواتٍ من التصعيد والمواجهة. وقد سبقت إشارات خامنئي التي تُفتي بجواز التوصّل إلى اتفاق مع "الشيطان الأكبر"، موافقة هذا الأخير الإفراج عن ثلاثة مليارات دولار من أموال إيران المجمّدة لدى العراق (تقدر بـ10 مليارات) وهي ثمن غاز وكهرباء تصدّرهما إيران لرابع أغنى بلد في احتياطات الطاقة! وقبل هذه وتلك، جاء إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرّية عن حصول تقدّم في معالجة بعض الملفات العالقة مع إيران، بخصوص المواقع الثلاثة التي تم العثور فيها على يورنيوام مخصّب بنسب مرتفعة (نحو 83%) خلال جولات تفتيشية العام الماضي. وكان قد تم قبل فترة الاتفاق على إعادة تركيب كاميرات مراقبة في بعض منشآت إيران النووية وتشغيلها بعد تعطيلها أكثر من عامين. هناك إذا احتمال يتزايد بإمكانية التوصل إلى اتفاقٍ هذه المرّة بعدما فشلت المحاولة الأخيرة في مارس/ آذار 2022 نتيجة الحرب الأوكرانية، وسوء تقديرات إيران بشأنها. السؤال المهم هنا: كيف سيؤثّر التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي هذه المرّة على علاقاتها بدول الخليج العربية، وفي مواقفها من الملفات الرئيسة في المنطقة (سورية واليمن ولبنان)؟ هل يساعد ذلك في تحقيق انفراجةٍ أكبر في العلاقات الإقليمية، بعد أن يكون قد خفّ الضغط عن إيران، وباتت مرتاحة أكثر اقتصاديا ودبلوماسيا، خصوصا في ضوء تقاربها أخيرا مع الرياض، والتوجّه الظاهر نحو تخفيف حدّة التوتر بين البلدين، أم أن مثل هذا الاتفاق سوف يؤدّي إلى نتيجة مشابهة لما حصل في اتفاق 2015، حينما شعرت إيران بفائض قوّةٍ بعد رفع العقوبات عنها، وجرى الإفراج عن مليارات الدولارات من أموالها المجمّدة، والدخول بعد ذلك في تحالف غير معلن مع إدارة أوباما للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصًا في العراق؟
ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال في ضوء تعدّد مراكز صنع القرار، وتنوع وجهات النظر حتى ضمن التيار المحافظ الحاكم في إيران، وتنامي قوّة الحرس الثوري الذي بات المسيّر الفعلي لسياسات إيران الخارجية والأمنية. ورغم وجود اتفاق في العموم على أن السلطات الرئيسة في البلاد موزّعة بين المرشد والحرس والرئيس، إلا أن المراقبين لاحظوا تحوّلا كبيرا في موازين القوى لصالح الحرس أخيرا، يبرز على صعيد نفوذه الاقتصادي المتزايد، وكذلك حصول عدد متنام من ضباطه السابقين على مقاعد في البرلمان وفي مجلس الوزراء، وفي حاكمية الولايات وغيرها من المناصب العليا في الدولة. ما زال المرشد المريض قادرا على ضبط سلوك الحرس وتحرّكاته داخل البلاد وخارجها، لكن الجميع يدرك أنه ليس في مقدور أي مرشدٍ آخر انتزاع القدر نفسه من التأثير والنفوذ، ما يعني أن الحرس في طريقه إلى أن يصبح الحاكم الفعلي للبلد مع غياب المرشد الحالي عن المشهد، وتحوّل إيران من ثيوقراطية إلى دولة عسكريتارية.
في كل الأحوال، الوضع على الأرض في سورية واليمن ولبنان هو الذي سيقرّر تأثير اتفاق نووي محتمل في سلوك إيران الإقليمي. في سورية، ينتظر أن تشجّع إيران المبادرة العربية للحل، والتي جرى طرحها رسميًا في اجتماع عمّان التشاوري والبيان الصادر عنه في الأول من الشهر الماضي (مايو/ أيار). بالمثل، ينتظر الجميع أن تمارس إيران دورا إيجابيا في اليمن، عبر دفع حلفائها الحوثيين باتجاه حل سياسي ينهي الأزمة المستمرّة منذ انقلاب عام 2014. أما في لبنان فيتوقّع أن تساعد إيران في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحظى بقبول محلي ودولي، خطوة أولى نحو إخراج البلد من أزمته المالية والاجتماعية الخانقة. فقط اعتماد هذه التوجّهات ما يجعل تخفيف الضغط عن إيران واحتضانها إقليميا نهجا سياسيا مثمرًا، مع أن تجارب الماضي لا تبدو مشجّعة للغاية.