تركة العام 2021
مع اتجاه العام 2021 إلى طي آخر أيامه، يجد المرء نفسه، كما في نهاية كل عام، أمام إغراء مراجعة أحوال المنطقة العربية والعالم، وتقدير التحسّن أو التراجع الحاصل فيهما. بدأ العام بخروجٍ غير مألوفٍ لإدارة رئيس أميركي من السلطة، إذ هاجم أنصار الرئيس السابق، دونالد ترامب، في السادس من يناير/ كانون الثاني، مبنى الكونغرس وعاثوا فيه، في محاولةٍ لمنع التصديق على نتائج الانتخابات التي فاز فيها المرشّح الديمقراطي جو بايدن. وعلى الرغم من أن النظام السياسي الأميركي استعاد توازنه، مع استلام بايدن الحكم بعد ذلك بأسبوعين، إلا أن الولايات المتحدة لم تتعاف أبدًا من حقبة ترامب، فالانقسام المجتمعي تعمّق خلال 2021، والجمهوريون ما زالوا متراصّين وراء ترامب، يستغلون ضعف بايدن، وانقسامات الديمقراطيين، على أمل تحقيق عودة كبيرة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 النصفية.
في المنطقة العربية، فشلت إدارة بايدن خلال العام المنصرم في تحقيق تقدّم في أيٍّ من الملفات التي جعلتها أولوية لها، وفي مقدمتها وقف الحرب في اليمن، وإحياء الاتفاق النووي مع إيران. ففي اليمن ازداد الصراع سوءا، إذ استغل الحوثيون الفتور الذي اعترى العلاقة بين الرياض وواشنطن، مع وصول بايدن إلى الحكم، واتساع الشروخ في جبهة خصومهم، وشنّوا هجوما مستمرا منذ فبراير/ شباط الماضي للسيطرة على مأرب، قتل فيه أكثر مما قتل خلال سنوات الحرب الأربع السابقة. وإمعانا في رفضهم أي جهود للتسوية، اقتحم الحوثيون في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مبنى السفارة الأميركية في صنعاء ونهبوا محتوياته.
أما اتفاق إيران النووي، فقد صارت إمكانية إحيائه أصعب، واحتمالات المواجهة حوله أرجح، إذ ترفض إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي الالتزام بنتائج جولات المفاوضات الست التي جرت مع إدارة سلفها، وتستمر في التحلّل من شروط الاتفاق النووي بتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، (تم تخصيب 30 كغ من اليورانيوم بنسبة 60%). وعلى الرغم من أن إدارة بايدن تبذل جهدها لتجنب أي مواجهة في الخليج، تصرف انتباهها عن الصين، إلا أنها قد لا تستطيع الهروب أكثر فيما لو اقتربت إيران فعلا من امتلاك قدراتٍ نوويةٍ عسكرية.
في بقية مناطق العالم العربي، طوى العام 2021 الأزمة السورية في أدراج النسيان، على الرغم من تفاقم الوضع الإنساني في مناطق النظام والمعارضة على السواء، فاليأس من إمكانية تحقيق تقدّم نحو حل معقول هنا يدفع الجميع إلى إغماض عينيه عن التحلل الكارثي الذي يواجه شعبًا ووطنًا، وطالما أن سورية لا تتسبب حاليا بصداع كبير (عودة لداعش مثلا أو حصول موجة لجوء كبيرة)، لا يتوقع أن تثير اهتماما ملحوظا في قادم الأيام. عاش لبنان، هو الآخر، سنة عصيبة، إذ انهار الوضع الاقتصادي تمامًا، وعلى الرغم من نجاح رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، في تشكيل حكومة، إلا أن حكومته ظلت معطلةً بسبب مقاطعة الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) جلساتها، إلى أن يقال قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب عام 2020.
شهد العالم العربي خلال العام المنصرم انقلابين، أضعفا آمال التحوّل الديمقراطي فيه، الأول قام به الرئيس التونسي قيس سعيّد، أقال بموجبه الحكومة، وجمد عمل البرلمان، ويخطط لإعلان دستور جديد يكرّس السلطات بين يديه، ويعيد البلاد إلى النظام الرئاسي. وفي السودان، وقع انقلاب أيضا أطاح بموجبه العسكر شركاءهم المدنيين في السلطة. وعلى الرغم من عودة الحكومة المدنية، أخيرا، يبدو أن العسكر مصرّون على التمسّك بالسلطة. وفي العراق، نجحت الحكومة في تنظيم انتخابات مبكرة، لكن الطرف الخاسر ما زال يرفض الاعتراف بنتائجها. أما في ليبيا فتستمر المناورات السياسية على أبواب انتخاباتٍ تدلّ المؤشرات على أنها ستتسبب في تعميق الأزمة بدلا من حلها.
دوليا، ازدادت خلال العام 2021 حدّة التوتر بين القوى الكبرى الثلاث في العالم، الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهناك مخاوف حاليا من انفجار صراع بشأن أوكرانيا، في أوروبا، وحول تايوان، في شرق آسيا. يجري ذلك فيما يستمر الخوف من ظهور متحوّرات جديدة لفيروس كورونا، ومن تفاقم التغيرات البيئية والمناخية، وانفجار أزمة الدين العالمي الذي زاد عن 300% من الناتج الإجمالي للعالم (230 تريليون دولار). صورة قاتمة، وتركة ثقيلة خلفها العام 2021، لكنها جدّ حقيقية.