12 يوليو 2024
تجذّر الانتفاضة اللبنانية
تقترب الانتفاضة اللبنانية من إكمال شهرها الأول. هل تحقق أهدافها قريباً؟ هل تستمر أياماً أو أسابيع أو أشهراً إضافية؟ هل تنجح السلطة في احتوائها ووأدها وهي تبذل كل يوم كل ما أوتيت من سُبل لتحقيق ذلك؟ هل يملّ الناس ويعودون إلى منازلهم، يحملون خيباتٍ وأحلاماً مبدّدة بتغيير أوضاع بلدهم؟ هذه تساؤلاتٌ مشروعة. ومحاولة الإجابة عليها تبقى مفتوحةً على جميع الاحتمالات المتوقعة، وحتى غير المنتظرة، فعندما خرجت مجموعة صغيرة من اللبنانيين في العاصمة بيروت للاحتجاج على محاولة فرض ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت، لم يكن هناك من يعتقد أنها ستتحوّل إلى انتفاضةٍ تعمّ لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه. وفي ذلك تحديداً، الدرس الأول للانتفاضة اللبنانية، كما أي ثورة شعبية، أن توقيتها لا يمكن التنبؤ به، مهما كان اليأس أو السكون الظاهري قد تملّك الناس. ومنذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومع كل يوم يمرّ، تقدّم الانتفاضة دروساً للبنانيين، بل بشكل أدق تعيد تشكيلهم، وتكسر كل توقعاتهم، وليس في ذلك نوستالجيا أو عاطفة ثورية زائدة، كما قد يحلو لبعضهم توصيفه.
من كان يخطر في باله، مثلاً، أن تتحوّل طرابلس (شمال لبنان) حيث الفقر القاتل والحروب ذات العناوين المذهبية الضيقة التي باعدت بين أهاليها، وتسببت في وصمها بالتشدد والمحافظة، إلى عاصمة الثورة. تحتضن ساحة النور، أو ساحة الله كما تعرف محلياً بين أبنائها، المحتجين ليلاً ونهاراً، تمنح الأمل للمتظاهرين في كل لبنان، مع كل لحظة انكسار أو محاولة وأد للانتفاضة. يُهتَف فيها للعلويين والشيعة والمسيحيين والدروز والجنوب وضاحية بيروت وجل الديب، تخرج نساؤها لتقود المسيرات، فيشعر زائرها أنه يريد البقاء فيها لأنها ملجأه بعدما تحولت إلى صورةٍ للبنان الذي يحلم أبناؤه بأن يكون عليه.
من كان يتوقع أن تعيد هذه الانتفاضة إلى الحركة الطلابية وهجها، لا من طلاب الجامعات بل من تلامذة المدارس الرسمية والخاصة أولاً، الذين خرجوا في مشهدٍ غير مسبوق يمنحون الاحتجاجات زخماً هائلاً، لتتحول أيام التدريس إلى ساعاتٍ متواصلة من التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام ومحاصرة الدوائر الرسمية، وأصبح من كان يطلق عليهم استهزاء "جيل الآيباد" عصباً رئيسياً في الانتفاضة، يمنحون مؤيديها ومعارضيها دروساً في مدى الوعي للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بعدما لخص بعضٌ منهم ما يجري بكلماتٍ بسيطة "نريد أن نكتب التاريخ في الشارع".
من كان يتخيّل حجم المكاسب التي استطاع اللبنانيون تحقيقها في أقل من شهر، من إسقاط للحكومة والضرائب، مروراً بتأجيلٍ هو أقرب إلى إسقاطٍ لجلسة مجلس النواب لتمرير قانون عفو عام أراده السياسيون فرصة للعفو عن جرائمهم المالية، وصولاً إلى التمرّد على الزعامات الحزبية والطائفية، وتحرك أبناء الجنوب وصمودهم في وجه محاولات ترهيبهم، ووضع أبناء البقاع الشمالي كل خلافاتهم المذهبية والمناطقية جانياً، واجتماعهم على هدف واحد...
أن تُراكم الانتفاضة اللبنانية كل هذه المكاسب على الصعيد الاجتماعي، قبل السياسي والاقتصادي، في شهر واحد، أن تتطوّر أدوات صمودها وتجذّرها يوماً بيوم، أن تحافظ على سلميتها، على الرغم من كل التهديدات ومحاولة جرّها إلى مربع العنف، حتى بعد الاعتداءات التي تعرّض لها المحتجون في أكثر من منطقة، وبلغت حد إسالة الدماء وسقوط ضحايا، فذلك دليلٌ على إنجاز هائل، تدرك الطبقة الحاكمة أنه المهدّد الأول لبقائها، وستحاول، بكل ما أوتيت من قوة، إسقاطه. كل يوم إضافي من الاحتجاجات يزيد إرباك قوى السلطة وتخبطها، لكنه يوم إضافي محمّل بالمخاطر على مصير الانتفاضة. وعي المحتجين لمخططات السلطة وإحباطها تباعاً وصمودهم في الساحات، وحتى التحرّكات السريعة لتصحيح أي هفواتٍ أو أخطاء، وحده يبدو صمام الأمان للحفاظ على الانتفاضة ومكاسبها، بانتظار أن تتوقف السلطة عن لعبة شراء الوقت، والخروج من حالة الإنكار، وتبدأ مسار تنازلات.
من كان يتوقع أن تعيد هذه الانتفاضة إلى الحركة الطلابية وهجها، لا من طلاب الجامعات بل من تلامذة المدارس الرسمية والخاصة أولاً، الذين خرجوا في مشهدٍ غير مسبوق يمنحون الاحتجاجات زخماً هائلاً، لتتحول أيام التدريس إلى ساعاتٍ متواصلة من التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام ومحاصرة الدوائر الرسمية، وأصبح من كان يطلق عليهم استهزاء "جيل الآيباد" عصباً رئيسياً في الانتفاضة، يمنحون مؤيديها ومعارضيها دروساً في مدى الوعي للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بعدما لخص بعضٌ منهم ما يجري بكلماتٍ بسيطة "نريد أن نكتب التاريخ في الشارع".
من كان يتخيّل حجم المكاسب التي استطاع اللبنانيون تحقيقها في أقل من شهر، من إسقاط للحكومة والضرائب، مروراً بتأجيلٍ هو أقرب إلى إسقاطٍ لجلسة مجلس النواب لتمرير قانون عفو عام أراده السياسيون فرصة للعفو عن جرائمهم المالية، وصولاً إلى التمرّد على الزعامات الحزبية والطائفية، وتحرك أبناء الجنوب وصمودهم في وجه محاولات ترهيبهم، ووضع أبناء البقاع الشمالي كل خلافاتهم المذهبية والمناطقية جانياً، واجتماعهم على هدف واحد...
أن تُراكم الانتفاضة اللبنانية كل هذه المكاسب على الصعيد الاجتماعي، قبل السياسي والاقتصادي، في شهر واحد، أن تتطوّر أدوات صمودها وتجذّرها يوماً بيوم، أن تحافظ على سلميتها، على الرغم من كل التهديدات ومحاولة جرّها إلى مربع العنف، حتى بعد الاعتداءات التي تعرّض لها المحتجون في أكثر من منطقة، وبلغت حد إسالة الدماء وسقوط ضحايا، فذلك دليلٌ على إنجاز هائل، تدرك الطبقة الحاكمة أنه المهدّد الأول لبقائها، وستحاول، بكل ما أوتيت من قوة، إسقاطه. كل يوم إضافي من الاحتجاجات يزيد إرباك قوى السلطة وتخبطها، لكنه يوم إضافي محمّل بالمخاطر على مصير الانتفاضة. وعي المحتجين لمخططات السلطة وإحباطها تباعاً وصمودهم في الساحات، وحتى التحرّكات السريعة لتصحيح أي هفواتٍ أو أخطاء، وحده يبدو صمام الأمان للحفاظ على الانتفاضة ومكاسبها، بانتظار أن تتوقف السلطة عن لعبة شراء الوقت، والخروج من حالة الإنكار، وتبدأ مسار تنازلات.