بيان مريد البرغوثي
مريد البرغوثي: الحاجة ملحة للمحرر الأدبي
لم يجترح رئيس محكمي "بوكر"، في دورتها الجديدة، أمراً نافراً ولا نافلاً، وإنما جهر بما تعمل به دور نشر أجنبية كبرى ومهمة في الغرب، والمؤكد أن حاجة الرواية العربية، تحديداً، في طفرتها الراهنة، شديدة جداً إلى الأخذ بهذه النصيحة التي لا غلو في الزعم، هنا، أنها استحقاق واجب. وبالنظر إلى نقائص ظاهرة وكبيرة، فادحة أحياناً، في أعمال روائية عربية غير قليلة، وبعضها نالت جوائز في "بوكر" وغيرها، فإن غياب ذلك المحرر الأدبي، النابه والعارف والخبير، من أسباب الثرثرة والترهل الغزيريْن في تلك الأعمال، ومنها ما يكون لافتاً في أجوائه وخياراته الأسلوبية وفضاءاته. ويقال هذا الأمر، مع التأكيد على أن عيوباً غير هيّنة بشأن النحو، والتعبير اللغوي السليم، تُصادفها في نصوصٍ محترمة، وجذابة، على صعيد الفن الروائي نفسه، وتستدعي إلحاحاً على وجود ذلك المحرر الأدبي، وتعاونه مع المصحح والمدقق اللغوي، في دور النشر، مع التسليم البديهي بأن من المفترض في من يُباشر الكتابة الإبداعية أن يكون مؤهلاً وذا لياقة لغوية كافية. ومن باب الصراحة الواجبة، يجوز التأشير، هنا، إلى أن عيوباً نحوية وتعبيرية غير قليلة تحضر في رواياتٍ وصلت إلى قوائم جائزة "بوكر"، في دوراتها الثماني كلها.
أما نقاط مريد البرغوثي الإحدى عشرة، في بيانه، فمنها ما يتعلق بإيضاح تفاصيل التحكيم في دورة "بوكر"، منها القول عن نقاشات أعضاء اللجنة و"مشاجراتهم العذبة"، وتقييمهم الروايات لا الروائيين، وعدم التفاتهم إلى "محاصصات جغرافية وجنسانية وعمرانية"، وإذ هذه تفاصيل تخص الجائزة الشهيرة والجدال الموسمي بشأنها، فإن حديث شاعرنا عن متعة القراءة شرطاً أول، وأن الإسراف في شرح كل شيء يهين القارئة والقارئ، وأن الرواية ليست قاعة محاضرات، وأن الركاكة والتسطيح والإملال تتنافى مع أي فن، ولا تقتصر على اللغة، فمثلها "ركاكة الشخصيات"، والحبكة والصور والحوار، هذا الحديث عن هذه الشؤون وغيرها له أهميته، ويجوز البناء عليه، في المواقف ووجهات النظر، الانطباعية كما النقدية، في خصوص التلقي والتعاطي مع الرواية، قراءةً ودرساً.
إنها الذائقة المعافاة، والمطالعة المحبة للنصوص، وكذا الرغبة في المعرفة والبحث عن متعة الكشف، من عتاد قارئ الرواية، ولم يتجاوز صديقنا مريد البرغوثي حدوده، (كما تساءل)، لما بسط قدامنا، نحن حضور حفل "بوكر"، إشاراته البرقية الموجزة، الكثيفة الإيحاءات والمعاني، وإنما قال بياناً طيباً، لم نسمع مثله، من أسلافه رؤساء لجان التحكيم السابقة في "بوكر"، على أهمية ما أوضحوه وقالوه.