بيانٌ شاردٌ لنقابة ''العدالة والتنمية''
تمثل الخبرة وبعدُ النظر والاستفادةُ من الأخطاء وقراءةُ ميزان القوى وإدارةُ التوازن بين الحسابات الاستراتيجية والتكتيكية مواردَ لا محيد عنها بالنسبة إلى الفاعل، الحزبي والسياسي، الذي يتوخّى التكيف مع المستجدات الحاصلة داخل الدولة والمجتمع.
في هذا الصدد، أصدرت الجامعةُ الوطنيةُ لموظفي التعليم، التابعةُ للاتحاد الوطني للشغل في المغرب، الذراع النقابية لحزب العدالة والتنمية، عقب اجتماع مكتبها الوطني في 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، بياناً دعت فيه ''الحكومةَ الجديدةَ المرتقبة إلى تغيير المقاربة للشأن التعليمي، والمبادرة إلى تجاوز الاحتقان الذي تعيشه المنظومة جرّاء التهميش الذي تعاني منه جلّ الفئات، والتسريعِ بحل الملفات المجمدة دون مبرر من طرف الوزارة الوصية''. وأكّدت ''ضرورة إخراج النظام الأساسي لموظفي وموظفات وزارة التربية الوطنية على أساس أن يكون منصفاً (..) ودامجاً لجميع الفئات، وفي مقدمتهم الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد".
مؤكّدٌ أن هذا البيان كان سيبدو عادياً، لو أنه صدر قبل الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية الأخيرة. أمّا وقد صدر بعد أن ظهرت نتائجها التي تكبّد فيها الحزب الإسلامي هزيمة قاسية جداً، فذلك يدلّ ليس فقط على قصر نظر الحزب والنقابة، بل يدلّ أيضاً على جرأة غير مفهومة في التمادي في استغباء المغاربة وتبخيس حسّهم السياسي، والرهان على نسيان ما كان قد تفوّه به قادة الحزب، ولا سيما في ما يتعلق بملف الأساتذة المتعاقدين. فقد سبق لرئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، أن انتقد الإضرابات التي خاضها هؤلاء الأساتذة في سياق مطالبتهم بالدمج في الوظيفة العمومية. ومنذ بدأ العملُ بالتعاقد في قطاع التعليم (2016)، لم تتردّد الجامعة الوطنية للتعليم في تأييد ما اتخذته حكومتـا بن كيران وسعد الدين العثماني من قرارات بشأن موظفي هذا القطاع، التي صبّ معظمها في التراجع عن المكتسبات الاجتماعية التي حازها هؤلاء على مدار عقود. واصطفّت إلى جانبهما لاعتباراتٍ حزبية محضة. بيد أن صعود التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين وتحوُّلَها إلى رقم أساسي في الملف، دفعا الجامعةَ إلى مراجعة حساباتها، بالدعوة إلى خوض إضرابات، في مسعى لاستخلاص عائدها السياسي لفائدة الحزب الذي كان يمنّي نفسَه بولاية حكومية ثالثة.
تبدو طريفةً دعوةُ الجامعة الحكومة (لم تتشكّل بعد!) إلى دمج هؤلاء الأساتذة في الوظيفة العمومية. وقد درج العرفُ على أن الحكومات والوزارات تحتاج مُدداً معقولة لمعرفة الملفات والمشكلات التي ستنكب على معالجتها، ما يعني، ضمناً، أن هذه الدعوة ليست إلا مزايدة حزبية، ولعباً في الوقت الضائع. وكان يجدر بالجامعة، وبالاتحاد الوطني للشغل الذي تنضوي تحت لوائه، أن يبادرا إلى فتح نقاش مسؤول وجدّي بشأن التراجعات الرهيبة التي عرفها الملف الاجتماعي، إبّان الولايتين الحكوميتين اللتين قادهما حزب العدالة والتنمية، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة التي عجّلت باندحاره في انتخابات الأسبوع الماضي. أما التوسّل بكلامٍ مكرورٍ مستقى من معجم البيانات النقابية التقليدية، وفي هذه الظرفية بالذات، فلا يمكن تفسيره إلا بسذاجةٍ سياسيةٍ مترسبةٍ في هياكل الحزب الإسلامي وأذرعه المختلفة، أو رسالةِ مساومةٍ يريد تمريرها، من خلال نقابته، أولاً إلى معسكر الأحزاب التي تصدّرت نتائج الانتخابات، والتي يُرتقب أن تكون ضمن الائتلاف الحكومي، مفادها بأنه ما زال في وسعه تحريك ذراعه النقابية واستثمار الملف الاجتماعي لإرباك خصومه، وثانياً إلى ''جهاتٍ معينةٍ'' في الدولة، ربما في محاولةٍ للتخفيف من حدّة الأضرار التي لحقت بالحزب بعد خسارته الانتخابات.
أفرزت نتائج الانتخابات ميزان قوى جديداً داخل الحقل الحزبي، وعدمُ أخذ حزب العدالة والتنمية ذلك بالاعتبار لا يعمّق أزمته التنظيمية والسياسية فقط، بل يجعل كل ما يصدر عن أذرعه من بيانات ومواقف شروداً سياسياً لا غير.