بعضهم يحبهنّ شقراوات
تُصرّ مارلين مونرو في فيلم "الشّقراء" على الظهور بالصُّورة نفسها التي رأيناها عليها من قبل في أفلامها، وما نعرفه عن حياتها. امرأة مذهلة الجمال، بتفكيرٍ بسيطٍ وصوتٍ مزعج. فما الذي أراد المخرج وكاتب السّيناريو أندرو دومنيك إضافته عبر هذا الفيلم، المقتبس عن رواية لجويس كارول أوتس؟ نعرف جيداً استغلالها الجنسي من ذئاب "هوليوود". ولكن لا نعرف كيف كانت حياتها في الميتم، وتعليمها، وكيف تعاملت المسؤولات هناك، مع فتاة بهذا الجمال والسذاجة؟ أي نوع من الشّابات كانت قبل السّعي إلى الشهرة والعمل تحت الأضواء؟ وبالنظر إلى الذين حاولوا إقناعنا بأن مارلين لم تكن عديمة الثقافة، بل قارئة نهمة، لماذا لم نر انعكاس القراءة على حياتها وتفكيرها؟
ألا يفترض أن يجيب فيلم "الشقراء" عن أسئلة غير مُجابٍ عنها من قبل. وأن يركّز، من البداية، على تراكم الأثر النفسي للإساءات، الجسدية والجنسية والنفسية، لا على تجسيدها الحرفي. لا أتحدّث عن البكاء الذي يلي الاغتصاب، بل عن نظرتها إلى نفسها وجسدها، وكيف ترى هي جمالها؟ لماذا لم تكن لها صداقات مع النساء؟ كما أن مسألة سعيها إلى الأمومة وحزنها على عدم تحقق ذلك، بينما سبّبت علاقتها بأمها المجنونة ألما شديدا. كانت لتمثّل عقدة سينمائية مهمة. لنعرف سبب عدم خشيتها أن تسيء معاملة ابنها أو ابنتها.
في حدثٍ ثقافي في الفترة نفسها، أَسالَ منح جائزة نوبل للرّوائية الفرنسية آني إيرنو مداداً كثيراً، وشكّك كثيرون في أحقّيتها، خصوصا أنه كان من الصّعب التنبّؤ بسببِ اختيار اللجنة لها، فهناك أسماء كثيرة، منها المشهور جدّا، وغير المشهور، ممن يستحقّها أكثر منها. وهناك مسألة أرّقت العرب بشكل خاص، وأثّرت على موقفهم من إحدى أهم القضايا العربية، قضية فلسطين، خوفاً من حرمانهم من حظوظهم في الفوز. لم تهزّ شعرة من حظ آني إيرنو. هي التي وقفت بشكل متواصل مع القضية الفلسطينية، وانتقدت إسرائيل بشدّة. مع ذلك، لم يمنعها موقفها من الفوز.
لا يمكن إرجاع فوز آني إلى حركة "مي تو"، وإلّا لفازت بها أخرياتٌ غيرها، فهي ليست الخيار النّسوي الوحيد. ولم تكن نسوية بشكل جوهري، ولم تجعل مشكلات النّساء همّها الأول. وهو أمر فعلته مارغريت أتوود وأخريات، ولم يلعب ذلك أيّ دور لإمالة كفّتهن. لتنضاف آني إلى الفائزين الذين لم نعرف بعد لم فازوا، فلويز غليك التي سبقت آني بسنتين، لم يعرف أحداً منّا لم فازت. حتى الشّعراء الذين فرحوا بفوز الشّعر، لا يمكن أن يقولوا إنها تستحقّها أكثر من غيرها، كما فعلت غابرييلا ميسترال وفيسوافا شيمبورسكا. هناك أكثر من شاعر أو شاعرة، بعضهم قريبٌ منا، يستحقونها. أدونيس مثلا، يستحقها أكثر من لويز غليك.
لم تكن الصّوابية السياسية السبب في الحدثين، فأيّ صورة قدمها فيلم "Blonde" للمرأة؟ فلا يجوز، حتى في هذا القرن، استسهال تناول حياة المرأة. وهناك فتياتٌ كثيراتٌ كبرن على أن مارلين مونرو الأجمل بين النّساء. تُرى، هل سيقبلن أكثر الاستغلال الجنسي الآن، بما أن إحدى الأيقونات جرى طحنها في آلته البشعة، ولم تفعل شيئاً لإيقاف ذلك؟ ما الذي قدّمه خارج الصّورة النمطية عن مارلين وباقي الممثلات آنذاك؟ وفي حالة آني إيرنو، من الجميل منح الجائزة بالتناصف بين النّساء والرجال. حتى ولو كان عدد الكتّاب الرجال عشرة أضعاف النساء، فكم من كاتبة أو كاتب بوزن مائة ألف كاتب.
أولغا تشوكارتوك قدّمت عملاً رائعاً هو رواية "الرحالة"، لذا لم يشكّك كثيرون في أحقّيتها. وأليس مونرو كانت مدهشة، بقصصها التي كان لجائزة نوبل الفضل في أن نقرأها، وصاحبة "فتيان الزنك" و"ليس للحرب وجه أنثوي"، سفيتلانا أليكسييفيتش، عملها مدهش ومُجدِّد، يُقرأ لأجيال متعاقبة. مع ملاحظة أنّهن جميعاً ينتمين لمنطقة واحدة: أوروبا وأميركا الشّمالية، فهل تحبّ جائزة نوبل الغربيات الشّقراوات، أكثر من ثلاثة أرباع نساء العالم؟ فهي حتّى عندما حاولت إنصاف النساء، حرمت معظمهنّ، بناء على سبب آخر للإقصاء، عدا أنهن نساء.