انتفاضة ثالثة أم نكبة ثانية؟
يحذّر الباحث الشاب الغزّي، محمد شحادة، في مقالته في مجلة News Week، من استمرار الحديث عن أنّ ما يحدث حالياً في الأراضي المحتلة سيؤدّي إلى انتفاضة ثالثة، بل هي نكبة ثانية، ويستعرض شحادة الحجج والحيثيات التي دفعته إلى هذا التحذير، منها سياسات حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّفة التي تكسب سياسياً من خلال الأنشطة المتطرّفة والإرهابية، التي أصبحت متزايدة بشكل ملموس منذ تشكيل الحكومة الجديدة.
من الضروري الوقوف، فعلاً، عند التحذير السابق، بالنظر إلى السياق السياسي الراهن؛ فهنالك مجتمع دولي وبيئة دولية ملتهيان بما يحدُث في روسيا وأوكرانيا، ولديهم أولوياتٌ أخرى، ليس من بينها، وربما ولا آخرها، القضية الفلسطينية وما يحدث في الأراضي المحتلة. وهنالك نظام عربي رسمي دخل في مرحلة جديدة في التطبيع مع إسرائيل، يمنحها مزيداً من القوة، ويُضعف العمق الاستراتيجي الفلسطيني، وهنالك سلطة فلسطينية متهالكة لا تملك من أمرها شيئاً. وقد ردّت أمس إسرائيل على عملية حماس (نفذها الشاب المعتز بالله الخواجا في تل أبيب) في عقر دار السلطة في رام الله، وفي الوقت نفسه، لا يوجد إطار وطني قادر على الاستثمار في عملية المقاومة سياسياً!
على الطرف المقابل، هنالك حكومة ذات نزوع متطرّف غير مسبوق في الكيان، تتبنّى سياسات تقوم على أهداف واضحة ومحدّدة؛ تؤدي إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في القدس، والقيام بعمليات تهجير كبيرة في المناطق الفلسطينية، وتعزيز الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية بصورة ملموسة.
موازين القوى غير متكافئة، داخلياً وخارجياً، والصيغة الجديدة من الحكومات الإسرائيلية تعمل على تحقيق مكاسب لا تستطيع حكوماتٌ أخرى الوصول إليها، وحتى لو تغيّرت هذه الحكومة لاحقاً أو أسقطت سياسياً وتفكّكت، فإنّ ما يحصل عليه الإسرائيليون لا يتخلّون عنه، وبالتالي، لن تأتي أي حكومة لتعود مسافاتٍ إلى وراء. ومن هنا يبرز السؤال؛ إلى أي مدى يمكن أن تمضي هذه الحكومة، بخاصة إذا افترضنا أن سيناريو "الانفجار" بات على الأبواب، بخاصة مع شهر رمضان، وفي ظل دوّامة العنف الدموي الإسرائيلي الراهن، وردود فعل المواطنة الفلسطينية على ذلك؟
يستبعد أغلب السياسيين والمحللين سيناريو التهجير (الترانسفير)، على قاعدتين رئيسيتين: أنّ هنالك مجتمعاً دولياً وقوانين وإعلاماً مجتمعياً ستمنع من إطلاق يد المذابح الإسرائيلية وعملياتال تهجير الجماعي للسكان. وأن الفلسطينيين متمسّكون بأرضهم حتى الموت، ولن يقبلوا بالخروج منها، لأنّهم إن فعلوا ذلك، فلا أمل بالعودة!
مع الاعتراف بوجاهة تلك الحجج، علينا ألّا نستبعد السيناريو الأسوأ، فلسطينياً وأردنياً، وقد رأينا جميعاً كيف ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر في نابلس وجنين، ولم تكن هنالك حتى إدانة واضحة من المجتمع الدولي، ولا ردّ معتبر من الدول العربية، وهي رسالةٌ بحدّ ذاتها مشجّعة للحكومة المتطرفة هناك للتمادي في أعمالها العدوانية.
هل يمكن تحويل سيناريو الانفجار الخطير، الذي يُنتج ظروفاً مؤاتية لجرائم الاحتلال، إلى سيناريو انتفاضة فلسطينية ثالثة، مدعومة سياسياً من القوى السياسية وتحظى بالتوافق الوطني، هذا هو التحدّي، وهو السؤال المطروح ليس فقط على الفلسطينيين، بل الأردن تحديداً، ولا أقول دولاً أخرى، لأنّ من الواضح أن الدول العربية تتحلّل من التزاماتها تجاه الفلسطينيين.
كما وعد وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير "ما حصل في الأردن سيبقى في الأردن"، فقد انهارت تفاهمات العقبة بمجرّد عودة الوفد الإسرائيلي، ومغادرة الأميركيين، وهي النتائج الشبيهة لزيارة بنيامين نتنياهو عمّان، في يناير/ كانون الثاني، ما يعني أنّ الإسرائيليين يسعون إلى إحراج الأردن، أولاً، وأنّهم يكسبون الوقت، ويراوغون المجتمع الدولي ثانياً، لتمرير سيناريو خطير مقبل.
لا تزال التطوّرات تتدحرج نحو الأسوأ، والمطلوب فلسطينياً وأردنياً ترسيم استراتيجية واقعية لمواجهة السيناريو الأسوأ، وكيفية التعامل مع ذلك، فلا نُفاجأ لاحقاً بكارثةٍ جرى الإعداد لها بعناية وبتصميم وتخطيط معلن!