انتخابات مجلس الشعب السوري
فُتِحَتْ سيرة مجلس الشعب السوري، قبل أيام، بمناسبة المرسوم الذي أصدره بشّار الأسد، وحدّد فيه موعدَ الانتخابات التشريعية في منتصف شهر يوليو/ تمّوز المُقبل. تجدر الإشارة إلى أنّ اسم "البرلمان" السوري تغيّر إلى "مجلس الشعب" في سنة 1971، أي بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة، بانقلابه العسكري على زملائه؛ انقلابيي 23 فبراير (1966). إذا أردنا أن نعود إلى الوراء، نجد أنّ أول مجلس تمثيلي للسوريين كان في 1919، أي بعد انتهاء الحقبة العثمانية، فقد أحدث الجنرال غورو، في بداية استيلاء الفرنسيين على سورية، مجالسَ تمثيلية، شبهَ برلمانية، للدويلات السورية التي أوجدها. أمّا تسمية "البرلمان"، فقد عُرفت للمرّة الأولى بموجب دستور 1930، الذي وضعه الفرنسيون أنفسهم، وبقي الاسم متداولاً، حتّى بعد خروجهم من سورية سنة 1946. العبرةُ، هنا، الإشارةُ، وبدقة، إلى أنّ حافظ الأسد أراد تحويل المؤسّسة التشريعية إلى منظّمة شعبية موالية لنظام حكمه، لا تختلف كثيراً عن منظّمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، واتحاد العمّال، واتحاد الفلاحين، وقد نجح في هذا نجاحاً باهراً.
بالمنطق، تتطلّب مصلحةُ أيّ دولةٍ أن يتولّى تشريعَ القوانين فيها، ويدرس ميزانيتها وخططَها التنمويةَ، أناسٌ ذوو كفاءات عالية في السياسة، والاقتصاد، والزراعة، والصناعة، والطب، والتجارة، فيكونون الأقربَ إلى مفهوم التكنوقراط. ولكن، ما فعله حافظ الأسد كان نقيض هذا، فقد وضع شرطاً أساسياً لخريطة العضوية في مجلس الشعب؛ أن تكون نسبةُ العمّال والفلاحين وصغار الكسبة فيه 51%، مع استهتار صريح بأصحاب الكفاءات العالية، إذ أطلق عليهم اسمَ "بقيّة فئات الشعب". الهدف المضمر لحافظ الأسد من وراء هذه الفعلة، بظنّي، تأبيدُ حكمه، فالمادة 84 من دستور 1973، الذي وُضِعَ بهدف تنظيم عهده، وشَرْعَنَتِهِ، ووضعِ الصلاحيات كلّها بيده، تنصّ على الآتي: "يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب، بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويُعرض الترشيح على المواطنين لاستفتائهم فيه".
خلال السنوات العشرين الأولى من حكم حافظ الأسد، أُرْسيت سيرورة الوصول إلى عضوية مجلس الشعب بطريقة يمكن وصفها بأنّها هزلية، فقد ذهبت نزاهة العملية الانتخابية في خبر كان، وأصبحت أسماءُ الأعضاء توضع بالتشاور بين قيادة حزب البعث، والأمناء العامين لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، على أن تكون المراجعة، والكلمة الأخيرة، للمخابرات، ثمّ تُعْلَن قائمة الأسماء المُعتمَدة، وتعلّق على جدران المدن نسخٌ من صورة جماعية للمُرشَّحين، وتُقرع الطبول، وتُنصب الدبكات، وتُذبح الخرفان، وتُطلق العيارات النارية في الهواء، وبعد يومين، أو ثلاثة، في موعد الانتخابات، يذهب الناس إلى الصناديق، ويضعون أسماء مُرشَّحي الجبهة في الصناديق، وتفرز، ويتأكّد للجميع أنّ الذين دبكوا وأطلقوا النار، ورفعوا صور القائد، هم أنفسهم الناجحون. ولكي أزيد حضراتكم من القصيد بيتاً، أضيف، أنّ الذهاب إلى الصناديق كان يحصل عندما يترشّح شخص واحد أو أكثر من خارج القائمة، ولكن، في كثير من الحالات، كانت العملية الانتخابية تُلغى لعدم وجود مُرشّّحين منافسين، ويُستخدم، حينئذ، مصطلح "القائمة مغلقة". المُهمّ، اعتباراً من دورة 1990، أراد النظام الديكتاتوري الشمولي أن يُظهر نفسَه بمظهر مَن يخطو باتجاه الديمقراطية، فقرّر إنقاص عدد مُرشَّحي البعث وأحزاب الجبهة، وفتح المجال لمُرشَّحين مُستقلين. وكلمة "مستقلين"، هنا، مَجَازيّة بالطبع، إذ سرعان ما تدخّلت أجهزة الأمن لمنع وصول أيّ مُرشَّح مشكوك في ولائه للأسد إلى عضوية المجلس، ولكنّ بعض المُرشَّحين كانوا يحصلون على أصوات جيّدة، فماذا يفعلون؟ لم يطل تفكيرهم كثيراً، حتّى اهتدوا لفكرة "صندوق البادية الجَوَّال"، الذي تُوضع فيه ألوف الأوراق المُزوّرة، ويُؤتى به إلى مركز الفرز، ويضاف ما يلزم من الأصوات للمُرشَّحين الذين يريدون إنجاحهم، وإبعاد المُرشَّحين المشكوك في ولائهم.
في أيام بشّار الأسد، "صلحت" أحوال العملية الانتخابية الموروثة، ولكن إلى الخلف.