الوزير في الحمّام

13 نوفمبر 2022
+ الخط -

لو كان ثمّة مقياس لاختبار الخيلاء لانفجر بالوزير الذي انتدبه الحاكم لتمثيله شخصيًّا في قمّة الجزائر العربية؛ فقد استحوذ عليه شعور فادح بالزهو يفوق أضعاف ما شعر به عند تعيينه وزيرًا قبل أعوام. ولا يدري كيف انتابته رغبة جامحة بمشاهدة فيلم "زوجة رجل مهم"، الذي يقول مقرّبون منه إنه شاهده ألف مرّة منذ حظي بالحقيبة الوزارية، غير أن المشاهدة هذه المرّة حملت إحساسًا مغايرًا، فقد شعر بأنه "رئيس" حقيقيّ، سيما وهو يتصدّر وفد بلاده إلى اجتماعات القمّة، إلى جانب حكّام وزعماء بكامل نياشينهم وأوسمتهم.

ويقال إن "فخامة" الوزير ظلّ مسكونًا بهاجس "الرئاسة" غداة انفضاض السامر وانتهاء أعمال القمّة، وراوده إحساسٌ بأن حقيبته الوزارية غدت ضيّقة على "أمتعته" الجديدة التي استمدّها من وكالة الرئيس، وظلّ على هذه الحال، حتّى باغته أحد أصدقاء "السوء"، الذي نصحه بالتخلّي عن هذا الإحساس بالأهمية، وبعدم التحدّث فيه مع آخرين، سيما للمقرّبين من الحاكم. وعندما استفسر "الوكيل" منه عن السبب، قال له الناصح: "لو نظرتَ إلى الأمر من الزاوية المعاكسة، فإن انتدابك للقمة نيابة عن الحاكم تعني أنك شخصٌ غير مهم ألبتة".

- كيف تقول ذلك، وقد اختارني الزعيم لهذه المهمة الحسّاسة نائبًا عنه؟

- لو كانت المهمّة حسّاسة لحضرها الزعيم بنفسه، ولو كانت القمّة اختبارًا للأهمية لما فوّتها الزعيم، لكنه اختار رجلًا غير مهم لوظيفة غير مهمة.. تلك هي المعادلة يا صديقي.

لا يُعرف ما حلّ بالوزير عقب هذه الصدمة التي أعادته إلى حجمه ما دون الطبيعي، لكن المرجّح، وفق مطّلعين على خباياه، أنه استفاق من حلم خادع قصير قصر القمّة "غير المهمة" في الجزائر، لكن يُقال إنه شعر ببعض العزاء، لكونه لم يعش هذا الخداع وحده، فقد كان إلى جانبه نوابٌ وممثلون كثر عن زعماء لم يحضُروا القمة، وآثروا توكيل شخصياتٍ "غير مهمة" نيابة عنهم، وعلى الأرجح، أن "فخامة الوزير" لن يعاود مشاهدة فيلمه المفضّل بعد هذه التجربة المرّة.

لكن سؤالا ما زال مطروحًا: لماذا كانت قمّة الجزائر أكبر القمم تخلّفًا عن الحضور من الحكام العرب بشخصياتهم الرسمية والاعتبارية، سيما وأنهم مولعون بالشكليات وتصدّر المنصّات، وتدبيج الخطب والشعارات؟ ولو تحرّينا الدقة لصغنا السؤال على النحو الآتي: لماذا خذل الزعماء العرب الجزائر؟

يحمل هذا السؤال مرارةً قاسيةً بحجم الغصّة التي يشعر بها ساسة الجزائر، الذين بدأوا منذ عامين الإعداد لهذه القمّة، حاولوا فيها رأب الصدع ولمّ الشمل، وأجروا جولاتٍ مكوكيةً بين العواصم العربية، وحاولوا إعادة سورية إلى مقعدها الفارغ في القمّة، لكن بلا جدوى، لتكون المحصّلة قمّة باهتة، غاب عنها الزعماء وحضر فيها الوكلاء.

أغلب الظن أن الإجابة تحتمل باعثين للغياب: الأول أن القمم العربية ما عادت تجتذب الحكّام العرب، ولا عادت تغريهم خطبهم الحماسية التي باتوا على قناعةٍ بأنها أشبه بمن يتحدّث إلى نفسه أمام المرايا، فلا الشعوب تسمع، ولا العالم يصدّق. السبب الثاني (المرجّح على الأغلب) فيتعلّق بالتطبيع، سيما وقد رشحت أنباء عن هذا الأمر، إذ كان أغلب المتغيبين من دعاته ورعاته، بعد أن ساورتهم خشيةٌ من طرح هذا الموضوع خلال اجتماعات القمّة، على الرغم من أنه لم يدرج على جدول الأعمال أصلًا، لكنهم بحكم "حساسيّتهم" المفرطة في ما يتعلّق بالنقد، آثروا قطع دابر "الشرّ" من جذوره بغيابهم عن القمّة، وتوكيل "أكياس ملاكمة" تنوب عنهم في تحمّل اللكمات إن وجدت، والشتائم واللعنات إن قذفت. والأهم أن الغياب يعفيهم من أيّ حرج أمام الشقيق الجديد "إسرائيل" التي أصبح رضاها يفوق رضا العرب بقضّهم وقضيضهم، وقيعانهم وقممهم.

عند هذا التفسير المقنع، الذي بلغه تفكير الوزير "المندوب"، سيما ما يتعلّق بالقدح والذمّ والشتائم، التي تهرّب منها المتغيبون، وأوكلوا بشؤونها غيرهم من "المناديب المجاذيب"، يقال إن الوزير لم يخرج بعد من "الحمّام".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.