الهدنة والسلام المتعثر في اليمن
تقترب هدنة الستين يومًا، في اليمن، من نهايتها، في الثاني من يونيو/ حزيران المقبل، من دون إحراز التقدم الذي تتطلع إليه الأطراف الداعمة لها، خصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا، وإلى حدٍ ما السعودية والإمارات، بالرغم من الجهود المبذولة من الأمم المتحدة، عبر مبعوثها إلى اليمن، هانس غروندبرغ، ودور سلطنة عُمان الذي دفع جماعة الحوثي إلى القبول بهذه الهدنة.
يكاد ما تحقق من الهدنة ينحصر في توقُّف الهجمات، بالصواريخ الباليستية والطائرات غير المأهولة المنسوبة إلى جماعة الحوثي، على الأراضي والمصالح البحرية للسعودية والإمارات؛ والتبادل المحدود للأسرى والمحتجزين؛ ودخول عشر سفن نفطية، من أصل 18، ضمنتها بنود الهدنة، إلى ميناء الحُديدة الخاضع لجماعة الحوثي؛ وتراجع العمليات على الأرض بين قوات الحكومة اليمنية، وقوات هذه الجماعة.
أخيرًا، أعلنت الحكومة اليمنية أنها وافقت على تسيير جماعة الحوثي رحلتي طيران، أسبوعيًّا، عبر مطار صنعاء، إلى عمَّان والقاهرة، وفقًا لهدنة الستين يومًا، متخليةً، بذلك، عن شرط حصول المسافرين اليمنيين على جوازات سفر صادرة عن أجهزتها الرسمية؛ ما يعني أنّ أطرافًا خارجية ضغطت على الحكومة، لاتخاذ هذا الإجراء، من دون تحميل جماعة الحوثي أي التزام مقابل، مثل: تنفيذ أحكام الهدنة بشأن رفع الحصار عن مدينة تعز، وتنفيذ أحكام اتفاقية استوكهولم عام 1802، بشأن توريد عائدات ميناء الحُديدة إلى فرع البنك المركزي بمدينة الحديدة، لدفع رواتب الموظفين المتوقفة منذ ست سنوات.
اتهم بايدن المسؤولين السابقين في الحكومة اليمنية بأنهم وراء تصرفاتٍ وممارساتٍ تهدّد الأمن والسلام في اليمن
يبدو أن من الضغوط المشار إليها، الاتهام، غير المباشر، الذي وجَّهه، قبل بضعة أيام، الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى من وصفهم بالمسؤولين السابقين في الحكومة اليمنية، وإلى آخرين لم يكشف عن هويتهم، ولعلَّه قصد بـ "المسؤولين السابقين" الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، وقصد بـ "الآخرين" جماعة الحوثي، والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ حيث قال إنهم يقفون وراء تصرفاتٍ وممارساتٍ تهدّد الأمن والسلام في اليمن؛ وقد طالب إدارته بتمديد حالة الطوارئ بشأن اليمن التي ستنتهي في السادس عشر من شهر مايو/ أيار الحالي؛ لما يشكِّله وضع اليمن الراهن من تهديد للأمن القومي الأميركي، وللسياسات الخارجية للولايات المتحدة، حسب وصفه.
الواقع أن هذا الموقف لا يبدو ترفًا من إدارة بايدن، إذا ما نظرنا إلى تعثّر المفاوضات مع إيران، بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وارتباط ذلك بالحرب اليمنية، من خلال دور إيران الداعم لجماعة الحوثي، بوصفها أحد أذرعها العنيفة في منطقة الشرق الأوسط، وما مثَّله ذلك، إلى جانب سياسات إدارة بايدن تجاه هذه الحرب، من دافعٍ لتعيين تيم ليندركينغ مبعوثًا أميركيًّا بشأنها، في فبراير/ شباط 2021.
يضاف إلى هذه الدوافع استئناف الجماعات الإرهابية مناشطها في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، خصوصًا خلال العام الجاري (2022)، وتصاعد الاتهامات المتبادلة بين الحكومة وجماعة الحوثي، بشأن الوقوف وراء ذلك، وقيام الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، بتشكُّل فرقة الواجب البحرية 153، ونشر السفن الحربية التي تألفت منها قبالة السواحل اليمنية، في خليج عدن، والبحر الأحمر، ومضيق باب المندب.
جماعة الحوثي لا تمثل امتدادًا للحقبة الإمامية التي كانت سائدة في شمال اليمن قبل ثورة عام 1962، بل جزء أصيل من خريطة الجيوبوليتك الشيعي
في اتجاهٍ داعمٍ للموقف الأميركي من الهدنة والسلام عمومًا، ثمّة تلميحات بريطانية، تبدو كما لو أنّها تشجيع لجماعة الحوثي، وحزب المؤتمر الشعبي العام، على الانخراط في عمليه السلام؛ حيث كشف السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، مطلع مايو/ أيار الجاري، عن مشروع قرار تتبنّاه بلاده في مجلس الأمن، ليكون عوضًا عن القرار 2216 (2015)، لكنه اشترط لذلك وقوع توافق بين أطراف الصراع الداخلية، إزاء أي تسويةٍ سياسيةٍ نهائية للحرب.
يبدو أنَّ مشروع القرار البريطاني قد يتضمن رفع العقوبات عن زعيم الجماعة الحوثية، عبد الملك الحوثي، وعن نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، المقيم في الإمارات، أحمد علي عبد الله صالح، وهذا ما دفع أنصار الأخير إلى التكهن بأن رفع العقوبات عنه سيناقشها مجلس الأمن في جلسته المقبلة، بعد منتصف شهر مايو/ أيار الجاري، والتظاهر بأنهم أقرب إلى السلام من الحرب.
المؤكَّد أن نجاح الهدنة، وتمديدها، ومن ثم تطويرها إلى وقف مُلزِم لإطلاق النار، والدخول في عملية سلام؛ ذلك كله محاط بمصالح دولية أكثر من المصالح اليمنية التي تحمي، في المقام الأول، البلاد من التمزّق، ولا أدلَّ على ذلك من أنَّ ما نُفِّذ من أحكام الهدنة لم يُرضِ سوى جماعة الحوثي، ويعزّز قبضتها على مناطق الشمال، ثمنًا لقطع صلتها بإيران، وفقًا لرؤية بريطانية كُشف عن تفاصيل منها قبل سنتين. وبطبيعة الحال، لن يقود هذا، كما يتوّهم بعضهم، إلى سلام دائم وشامل في اليمن، بل والخليج؛ لأن جماعة الحوثي لا تمثل امتدادًا للحقبة الإمامية التي كانت سائدة في شمال اليمن قبل ثورة عام 1962، بل جزء أصيل من خريطة الجيوبوليتك الشيعي، ويقابل ذلك رفض داخلي متنامٍ، لن تقف أمامه أي احتواءاتٍ خارجية، حتى وإن كان مصدرها السعودية، إذا ما قرّرت تغيير موقفها العدائي من جماعة الحوثي.