النووي الإيراني .. إلى أين؟
ألقى المقترح الأوروبي حجرا في بركة المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى بشأن الملف النووي الإيراني. وتُعدُّ عودة الأطراف إلى صيغة 2015، مع تغييرات طفيفة، العنوان الأبرز للاتفاق الجديد الذي يُرتقب أن يرى النور في الأسابيع المقبلة. وعلى الرغم من الموافقة المبدئية لطهران عليه، إلا أنها لم تتردّد في إبداء تحفظاتٍ بشأن قضايا عالقة فيه، أبرزها ''الحصول على ضمانات اقتصادية قوية لديمومة سريان الاتفاق، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتسهيل تجارة الشركات الأجنبية معها وضمان استمرارها''. ما يعني أن حل هذه القضايا يبقى مربطَ الفرس في التوصل إلى اتفاق جديد قابل للحياة في خضم سياق إقليمي ودولي مضطرب. فعلى صعيد العقوبات، من شأن الاتفاق الجديد، في حالة تبنته الأطراف، أن يُفضي إلى رفعها مؤقتا، بما يمنح إيران هامشا للتخفيف من حدّة أزمتها الاقتصادية، إذ سيكون بمقدورها الزيادة في إنتاج النفط، والوصول إلى أرصدتها المالية المجمّدة في الخارج. وعلى صعيد الضمانات، ليس هناك ما ينبئ بوجود استعداد أميركي لتقديم ضمانات قوية بعدم نقض الاتفاق مستقبلا في حالة إحيائه، وشطبِ الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وإلزامِ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإلغاء تحقيقاتها بشأن آثار يورانيوم عثرت عليها في مواقع إيرانية.
مؤكّد أن الأسابيع المقبلة ستحمل الجديد في الملف النووي الإيراني، لارتباطه بتوازنات القوة والنفوذ في الإقليم. ولعل ما يعزّز فرص التوصل إلى اتفاق نهائي استعدادُ واشنطن لذلك، في ظل انشغالها بملفاتٍ دوليةٍ كبرى، في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، والنفوذ الصيني المتنامي على المسرح الدولي. وإذا كانت تقارير متواترة تنبئ أن طهران قد تقايضُ رفع العقوبات المفروضة عليها، ولو إلى حين، بتقديم واشنطن ضماناتٍ بعدم انسحاب أي رئيس أميركي، في المستقبل، من الاتفاق، فإن ذلك لا يبدو أنه قد يحمي الاتفاق الجديد من الانهيار، أولا بسبب الطبيعة المركبة للسياسة الخارجية الأميركية وتعدّد الفاعلين في صياغتها، وثانيا بسبب التهديد الذي تشكله الطموحات النووية الإيرانية ''للأمن القومي الإسرائيلي''. فاستمرارُ طهران في تخصيب اليورانيوم بنسب مقلقة عبر استخدام أجهزة طرد مركزي متطوّرة، لا شك أنه يعيد إلى الواجهة مخاوف غربية وإسرائيلية من نجاحها في صنع قنبلة نووية.
بالتوازي مع ذلك، يسعى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى استخلاص العائد السياسي للاتفاق المرتقب، من خلال الظهور بمظهر من يفي بوعوده الانتخابية أمام الرأي العام الداخلي، وفي مقدمة ذلك التخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعقوبات المفروضة على بلاده، وتعزيز شرعية النظام الإيراني في الداخل والإقليم. وتُدرك طهران أن ورقة العقوبات لم تُعطِ ما كان يُؤمل منها بالنسبة للولايات المتحدة والغرب، سيما بعد ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار دولٍ في شراء النفط الإيراني، وهو ما يمثل عمقا احتياطيا في أداء المفاوض الإيراني الذي يبدو غير مستعجل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
من ناحية أخرى، يتخطّى الملف النووي الإيراني، في تعقيداته، الجوانب التقنية المرتبطة بتطلّع طهران إلى امتلاك السلاح النووي، نحو معادلة الصراع على النفوذ في المنطقة التي تشكل فيها إيران لاعبا رئيسا، خصوصا في ما يتعلق بإدارة نفوذها السياسي والمذهبي في العراق وسورية ولبنان واليمن. ومن هنا، تبدو معنية بتعزيز موقعها التفاوضي إزاء الغرب بانتزاع مزيد من المكاسب في المفاوضات.
في الختام، يُفسح عدم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن النووي الإيراني المجالَ أمام طهران للمضي في أنشطتها النووية غير السلمية، ما يعزّز المخاوف الغربية والإسرائيلية، ويجعل احتمالَ توجيه إسرائيل، بدعم أميركي وغربي، ضربةً عسكريةً خاطفةً إلى المنشآت النووية الإيرانية أمرا واردا، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وسياسية على الإقليم.