16 نوفمبر 2024
النفق اليمني
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
قطف الحوثيون ثمار الثورة الشبابية التي انطلقت من ميادين صنعاء وعدن وتعز في فبراير/ شباط 2011 ضد حكم الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وباتوا اليوم في حكم الرقم الأساسي في المعادلة الداخلية، حيث وضعوا اليد على مؤسسات الدولة كافة، بما فيها القصر الرئاسي، وأصبح الرئيس، عبد ربه منصور هادي، أسيراً لديهم، ليس أمامه سوى خيار تنفيذ برنامجهم. ويشكل خطاب عبد الملك الحوثي، عشية السيطرة على القصر الرئاسي في صنعاء، نقطة فاصلة في المسار اليمني، ليس لأنه أسقط مقام ودور الرئاسة والدولة فقط، بل لأنه وضع نفسه مرجعية فوق الدولة ومؤسساتها والقوى السياسية كافة، عندما منح نفسه أكثر من حق "الشراكة" التي نص عليها الاتفاق الذي تم توقيعه بعد اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي. وهذا يعني، بوضوح، أن مصير اليمن صار بيد جماعة الحوثي.
ليس وضع جملة من الشروط على الرئيس هادي والقوى السياسية من باب احترام مؤسسات الدولة، أو إشراك الآخرين في القرار، بقدر ما هو آلية تدريجية لتسليم المؤسسات الرسمية للجماعة الحوثية التي تعمل على الإمساك بمفاصل الدولة والحكم، ويحيل هذا الأسلوب إلى ما قام به حزب الله في لبنان في مايو/ أيار عام 2008، حين جرى اجتياح بيروت. والفارق بين وضعي بيروت وصنعاء أن المعادلة الداخلية والاهتمام العربي مختلفان في الشكل والمضمون. والثابت اليوم في اليمن أنه ليس هناك ميزان قوى داخلي، يمكنه أن يغير في المعادلة الجديدة، ويحول الحوثيين من طرف يستفرد في القرار إلى شريك، فالحوثيون استكملوا ضرب غالبية الخصوم السياسيين، وبعد أن استولوا على الجيش والأمن ومقدرات الدولة الاقتصادية، لم يبق في طريقهم غير "تنظيم القاعدة" وبعض قبائل مأرب.
أما على الصعيدين، الإقليمي والدولي، فقد جاء هجومهم الأخير في لحظة مواتية جداً، حيث ينشغل العالم بالحرب ضد "داعش"، ومن خلال ردود الفعل على تحركاتهم منذ اجتياح صنعاء وحتى احتلال قصر الرئاسة، ليست هناك مؤشرات دولية، أو إقليمية، يمكن أن توقف الاندفاع الكبير للحوثيين، وهذا يعني أن فصولاً أخرى قادمة في الطريق، تتوقف، فقط، على مخططات الراعي الإيراني للحركة الحوثية وأجندته.
ليس من المبالغة القول إن اليمن دخل في النفق الحوثي، وهو نفق واضح المعالم، وطريقه تقود نحو السعودية تحديداً، وتستطيع إيران أن تقول، اليوم، إنه باتت لديها حدود مباشرة مع المملكة التي صار عليها أن تعيد النظر في حساباتها كثيراً، ليس على صعيد الموقف من مراجعة أسعار النفط فقط، بل كل الملفات المؤجلة مع اليمن، ومنها خصوصاً الحدود. وليس سراً أن إيران تلعب ورقة الطائفة الشيعية في السعودية، وقد بات الوضع مثالياً لتحريكها، اليوم، ليس على سبيل مكاسب مباشرة فقط، بل من أجل إحداث تغييرات جيوبوليتكية كبيرة، ولن يتأخر الوقت حتى تشهر إيران ورقة الطائفة الشيعية في السعودية، لإحداث هزة كبيرة في المملكة والبحرين.
الموجة الحوثية الثانية ستكون في الجنوب، قبل الانتقال إلى الهجوم الإقليمي، وتبدو البيئة الجنوبية مهيأة للتفاعل مع الحدث، بوجهيه السلبي والإيجابي، وعلى الرغم من ردات الفعل الجنوبية المتضامنة مع هادي، فإن حجم التمييز الواقع على الجنوب مرشح لأن يصب في رصيد الخطاب الحوثي الذي أشهر سلاح المظلومية ومحاربة الفساد.
المشهد اليمني على مستوى كبير من الخطورة، في ظل عجز إقليمي ودولي، للتدخل من أجل تغيير في المعادلة، وتقول المعطيات كافة إن التدخل الخارجي حتى لو توفرت النية له، بات متأخراً، ولا يمكن التعويل عليه، ما يعني أن الوضع اليمني انتقل، برمته، إلى عامل أساسي في التجاذب الإقليمي والدولي.
ليس وضع جملة من الشروط على الرئيس هادي والقوى السياسية من باب احترام مؤسسات الدولة، أو إشراك الآخرين في القرار، بقدر ما هو آلية تدريجية لتسليم المؤسسات الرسمية للجماعة الحوثية التي تعمل على الإمساك بمفاصل الدولة والحكم، ويحيل هذا الأسلوب إلى ما قام به حزب الله في لبنان في مايو/ أيار عام 2008، حين جرى اجتياح بيروت. والفارق بين وضعي بيروت وصنعاء أن المعادلة الداخلية والاهتمام العربي مختلفان في الشكل والمضمون. والثابت اليوم في اليمن أنه ليس هناك ميزان قوى داخلي، يمكنه أن يغير في المعادلة الجديدة، ويحول الحوثيين من طرف يستفرد في القرار إلى شريك، فالحوثيون استكملوا ضرب غالبية الخصوم السياسيين، وبعد أن استولوا على الجيش والأمن ومقدرات الدولة الاقتصادية، لم يبق في طريقهم غير "تنظيم القاعدة" وبعض قبائل مأرب.
أما على الصعيدين، الإقليمي والدولي، فقد جاء هجومهم الأخير في لحظة مواتية جداً، حيث ينشغل العالم بالحرب ضد "داعش"، ومن خلال ردود الفعل على تحركاتهم منذ اجتياح صنعاء وحتى احتلال قصر الرئاسة، ليست هناك مؤشرات دولية، أو إقليمية، يمكن أن توقف الاندفاع الكبير للحوثيين، وهذا يعني أن فصولاً أخرى قادمة في الطريق، تتوقف، فقط، على مخططات الراعي الإيراني للحركة الحوثية وأجندته.
ليس من المبالغة القول إن اليمن دخل في النفق الحوثي، وهو نفق واضح المعالم، وطريقه تقود نحو السعودية تحديداً، وتستطيع إيران أن تقول، اليوم، إنه باتت لديها حدود مباشرة مع المملكة التي صار عليها أن تعيد النظر في حساباتها كثيراً، ليس على صعيد الموقف من مراجعة أسعار النفط فقط، بل كل الملفات المؤجلة مع اليمن، ومنها خصوصاً الحدود. وليس سراً أن إيران تلعب ورقة الطائفة الشيعية في السعودية، وقد بات الوضع مثالياً لتحريكها، اليوم، ليس على سبيل مكاسب مباشرة فقط، بل من أجل إحداث تغييرات جيوبوليتكية كبيرة، ولن يتأخر الوقت حتى تشهر إيران ورقة الطائفة الشيعية في السعودية، لإحداث هزة كبيرة في المملكة والبحرين.
الموجة الحوثية الثانية ستكون في الجنوب، قبل الانتقال إلى الهجوم الإقليمي، وتبدو البيئة الجنوبية مهيأة للتفاعل مع الحدث، بوجهيه السلبي والإيجابي، وعلى الرغم من ردات الفعل الجنوبية المتضامنة مع هادي، فإن حجم التمييز الواقع على الجنوب مرشح لأن يصب في رصيد الخطاب الحوثي الذي أشهر سلاح المظلومية ومحاربة الفساد.
المشهد اليمني على مستوى كبير من الخطورة، في ظل عجز إقليمي ودولي، للتدخل من أجل تغيير في المعادلة، وتقول المعطيات كافة إن التدخل الخارجي حتى لو توفرت النية له، بات متأخراً، ولا يمكن التعويل عليه، ما يعني أن الوضع اليمني انتقل، برمته، إلى عامل أساسي في التجاذب الإقليمي والدولي.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
09 نوفمبر 2024
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024