المبشِّرون بالجحيم

30 ابريل 2021
+ الخط -

لم يجد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، الأربعاء الماضي، حرجاً في القول إنه "من المستحيل التنبؤ بمستقبل أفغانستان" بعد انسحاب القوات الأميركية وباقي قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل تحدّث صراحة عن أن الخيارات المحتملة قد تتراوح بين "السيئة للغاية والأقل سوءاً".

بعد 20 عاماً على غزو أفغانستان، وإطاحة حكم حركة طالبان، تخبرنا القيادة العسكرية الأميركية، وهي على أعتاب مغادرة البلاد، أنه "في أسوأ الحالات، ستنهار الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني، وتقع حرب أهلية وكارثة إنسانية مصاحبة لها، مع عودة محتملة (لتنظيم) القاعدة". أما "سقوط كابول" فليس حتمياً لكنه ممكن.

بهذه الخلاصات الواضحة، تبشّرنا أميركا بالجحيم الذي لا يُستبعد أنه ينتظر أفغانستان، بعدما حسمت واشنطن خيارها بشأن الانسحاب منذ ولاية دونالد ترامب، وهو ما التزم به الرئيس جو بايدن أيضاً، وإن بعد أشهر من الموعد المتفق عليه في الاتفاق الموقع مع "طالبان"، فبدلاً من تحقق ذلك قبل 1 مايو/ أيار سينتهي بحلول 11 سبتمبر/ أيلول المقبل، تاريخ الهجمات التي نفذّت ضد أميركا، وكانت السبب في احتلال أفغانستان.

تخرج أميركا من أفغانستان، وهي قد ضمنت، على الأقل نظرياً أو لفترة، ما تريده بعد الاتفاق لجهة منع أي "مجموعة أو فرد" من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها. لكن ماذا تحقق للأفغان أنفسهم؟ لا تزال المفاوضات الأفغانية تدور في حلقةٍ مفرغةٍ منذ أشهر ولا تقدم يذكر. عملياً، لا تزال في مراحلها الأولى تناقش الأساسيات. تفاوض "طالبان" من موقع قوة. عسكرياً هي تسيطر على ما لا يقل عن 50% من المناطق الأفغانية، وإنْ كانت هيمنتها تتركز في الجبال والأرياف حالياً، فليس هناك ما يضمن أن لا تتوسع باتجاه المدن الرئيسية. وسيكون من السذاجة الاعتقاد أن الحركة لم تخطط لذلك بعد، وتنتظر اكتمال انسحاب القوات الأجنبية. أما سياسياً، فهي خاضت المحادثات مع الولايات المتحدة موحّدة، ونجحت في إبرام اتفاق معها يرضي مخططاتها.

على المقلب الآخر، تتعدّد القوى السياسية الأفغانية ورؤيتها للمرحلة المقبلة. في الأصل، بالكاد تستطيع أقطاب الحكم الحفاظ على تماسكها في ظل خلافاتها، وتحيّن كل طرف منها الفرصة للانقضاض على الآخر.

أما عسكرياً، فالسؤال الأهم المطروح اليوم هل ستصمد المؤسسات الأمنية الأفغانية؟ ولعل إعادة اقتباس إجابة ميلي، ومفادها أنه "لا يمكن التنبؤ" هي الأنسب. والتفكير في ما قد يجري يقود أولاً إلى التساؤل عما إذا كانت التدريبات والتجهيزات العسكرية التي قدّمت للقوات الأفغانية ستؤتي أُكلها. لكن حتى هذا موضع تشكيك، خصوصاً أن الأميركيين أنفسهم غير واثقين بما اقترفته أيديهم عقدين كاملين. وفي السياق، قد يكون من المفيد العودة إلى "وثائق أفغانستان" التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية أواخر عام 2019 بعنوان "أوراق أفغانستان .. تاريخ سرّي للحرب"، والتي ذكرت فيها أن ما يدّعيه المسؤولون الأميركيون من عسكريين أو سياسيين عن التقدّم في مواجهة "طالبان" وتعزيز الحكومة الأفغانية غير صحيح، معتمدة على مستندات هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان "سيغار". وهي الهيئة نفسها التي خلصت، قبل نحو شهرين، إلى وجود هدر غير مسبوق في الأموال التي أنفقت على مشاريع في أفغانستان.

تقود هذه الصورة القاتمة إلى استنتاج آخر وهو أن معظم الافتراضات بشأن ما ينتظر القوات الأفغانية لا تبشرّ بالخير. القوات التي ستتضاعف مهماتها خلال الأشهر المقبلة في مواجهة "طالبان"، و"داعش"، وحتى تجارة المخدّرات، لا يزال عديدها غير معروف، فعلى الرغم من تقديره بـ300 ألف، إلا أنه رقم وهمي، ولا يستطيع أحد تقديم رقم حقيقي موثوق في ظل وجود "عسكريين فضائيين"، أي على الورق فقط، لنهب رواتبهم.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.