الفلسطيني وانهيار آخر

10 ديسمبر 2021
+ الخط -

ما يقع في الجامعات الفلسطينية من حوادث مؤسفة (قُتل السبت الماضي طالبٌ على يد زميل له، وأُغلقت جامعة بيرزيت إثر اعتداء طلبة منتسبين للأجهزة الأمنية على ممثل إحدى الكتل الطلابية، وامتدَّ شجار عائلي في المدينة إلى حرم الجامعة، فتم تعليق الدوام في جامعتي الخليل والبوليتكنيك... إلخ) ليست أحداثاً عارضة أو عفوية أو طارئة. أما سبب الانحدار الأخلاقي الذي تشهده الجامعات الفلسطينية، فيعود في الأساس إلى خطّة ممنهجة لشطب الحركة النضالية الطلابية في الوطن المحتل وخارجه، بدأت قبل نحو ثلاثين سنة، مع تغييب الاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي ظل ثلاثة عقود (1959- 1990) بمثابة الجسم النقابي والنضالي الناظم للحركة الطلابية الفلسطينية داخل الوطن وخارجه.

تأسّس الاتحاد في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1959، الذي يُصادف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ذكرى تقسيم فلسطين. وضع المؤتمر الأول دستوراً اعتبر مهمة الاتحاد الأساسية خلق الإنسان الثوري القادر على المشاركة في معركة التحرير والإعداد للمعركة، وتوعية الشباب الفلسطيني. وحدّد أهدافاً لنشاطه كان من أبرزها سعي الاتحاد كمنظمة تضم جزءاً من الطليعة الواعية من شعب فلسطين إلى إعداد الشباب العربي لمعركة التحرير؛ فضح المؤامرات الإمبريالية والصهيونية والرجعية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية؛ والعمل على حماية الثورة؛ وتنمية وعي الشعب الفلسطيني بأسس التنظيم الشعبي السليم. وقد شهدت السنوات التالية للتأسيس حالة متميزة من المد الوطني لدور القطاع الطلابي الفلسطيني كرافد للثورة الفلسطينية. ومثَّل قادة الاتحاد، ياسر عرفات خصوصاً، الشعب الفلسطيني على الصعيد الدولي قبل تأسيس منظمة التحرير. عقد الاتحاد مؤتمره العاشر (حضره كاتب هذه السطور ووصفه آنذاك بمؤتمر تأبين لأعرق المنظمات الشعبية الفلسطينية) في بغداد ما بين 3-8 مايو/ أيار 1990، ومع أن المؤتمر سُمِيَّ باسم الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، وعُقد تحت شعار "بتلاحمنا الوطني وتصعيد النضال والكفاح المسلح وتعاظم الانتفاضة نحمي وحدتنا ومنجزات شعبنا ونقيم دولة فلسطين بقيادة م.ت.ف"، إلا أنه كان المؤتمر الوطني الأخير في مسيرة الاتحاد العام لطلبة فلسطين التي توقفت مع بدء محادثات السلام العربية الإسرائيلية في مدريد، ثم توقيع اتفاقات أوسلو. ومنذ ذلك الحين، لم يبق من الاتحاد إلا لافتة تُرفع عند الحاجة على دكاكين خاوية.

شَطبُ المنظمات الشعبية الفلسطينية سبق تأسيس بعضها انطلاق كل فصائل المقاومة لم يكن ليحدُث بلا سبب، وبلا غاية. أما السبب فهو ضرورة هدم جدار هذه التنظيمات وإزالته من طريق التسوية السياسية التي ستُقدم عليها القيادة الفلسطينية، سيما وأن معظم النقابات الشعبية الفلسطينية، والاتحاد العام لطلبة فلسطين في مقدمتها، كانت تعارض نهج التسوية ورموزه في القيادة الفلسطينية. أضف إلى ذلك الدور القيادي الذي لعبه الاتحاد في تشكيل ثقافة المواجهة والنضال الجماهيري المنظّم والمنضبط داخل جامعات الوطن المحتل التي خرّجت أفواجاً من قادة المقاومة الشعبية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، والذين أسّسوا لاحقاً القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي تم إجهاضها مع انخراط منظمة التحرير في مؤتمر مدريد للسلام. وأما الغاية فهي إضعاف الحركة الشعبية والنقابية وتحييدها ضمن مسلسل ممنهج لهدم كل جدران المقاومة الفلسطينية.

ما جرى ويجري للحركة الطلابية الفلسطينية داخل الوطن وخارجه لا ينفصل عن تخريبٍ ألمَّ بباقي مكونات حركة التحرّر الفلسطيني، بدءاً من تغييب المنظمة، وإضعاف حركة فتح، وتهميش الفصائل الأخرى، وصولاً إلى تقسيم الوطن إلى معازل جيومصالحية، وكانتونات مناطقية تحكمها عصبياتٌ عائليةٌ وعشائرية متخلفة، إذ لم يكن لأوسلو أن تُولد، ولم يكن لمخرجاتها أن تبقى وتتمدّد إلا على ركام جدران الصمود الفلسطيني التي سقط بعضها باكراً، وما تبقى منها يترنّح. ما تعانيه الجامعات الفلسطينية هو انهيار آخر في جدران مجتمع ارتفعت نسبة الجريمة فيه 40% منذ بداية عام 2021 حتى يونيو/ حزيران الماضي، فيما ارتفعت جريمة القتل 69% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.