الفرصة المغربية للمصالحة الليبية
التقى قائدا السلطتين التشريعيتين في ليبيا في الرباط، وأعلنا عن توافقهما بخصوص خريطة الطريق نحو المستقبل القريب.
وقد نظّم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ندوة صحافية، كانت محطّة ترقب كبير من المعنيين بالمعضلة الليبية، أهم مركزات المرحلة فيها كان الاتفاق على طريقةٍ لتنفيذ مساراتٍ مغربية سابقة أهمها محطتا الصخيرات (2015) واتفاقات بوزنيقة (2021).
ولعل أهم ما جرى الإعلان عنه هو التوصل إلى توافق بشأن الشروع في توفير شروط توحيد السلطة التنفيذية، وهي نقطة مركزية في ما يتعلق بالنقاط العالقة ذات الصلة بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمناصب السيادية. والأهم في هذا التوافق يتمثل في وضع سقف زمني محدّد في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من السنة الجارية. والاتفاق كذلك على تمكين المسارات السابقة من آلياتٍ لتنفيذها وتمكينها من حظوظ التحقق، بأن "تكون السلطة التنفيذية واحدة في ليبيا في أقرب الآجال"،
فالواقع الحالي يقوم على وجود حكومتين، واحدة برئاسة فتحي باشاغا والأخرى يرأسها عبد الحميد الدبيبة، تحظى بالاعتراف الدولي.
ومن دون التفصيل في كل السياقات، الدولية والوطنية، المرافقة لهما، يظل المفتاح السحري بالفعل هو الاتفاق على آلية تنفيذية يمكنها أن تنظم الانتخابات في وقتها، بناء على مخرجات اتفاقين، احتضنتهما مدينة بوزنيقة (قرب الرباط) الأول في يناير/ كانون الثاني 2021 وضع أسس توزيع المناصب السيادية التي ما زالت موضوع خلاف. والثاني في سبتمبر/ أيلول 2021، حول تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد الاتفاق على القاعدة الدستورية موضع الخلاف.
لا يتعلق الأمر في ليبيا بنزاعات ذات طبيعة ظرفية، فنحن أمام معضلة تمسّ صلب الدولة، سواء في شرعيتها أو توازن السلطات
الحقيقة القاسية في الموضوع الأول أن هذه المناصب، وتهم المحكمة العليا والمفوضية العليا للانتخابات والبنك المركزي والنائب العام وديوان المحاسبة وهيئة محاربة الفساد وهيئة الرقابة الإدارية والمالية، قد جرى الاتفاق على توزيعها على الولايات الثلاث، برقة وطرابلس وفزّان، وتحديد شروط عامة لإسنادها، ولكن التنفيذ تعطّل لحسابات موازين القوة.
وبخصوص الانتخابات، انتهى لقاء الرباط أخيرا عن "استئناف الحوار من أجل القيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق خريطة طريق واضحة وتشريعات تجرى على أساسها الانتخابات بالتوافق مع المجلسين"... وفي حالة غياب توافق المجلسين، سيسود التدبير الذاتي الضيق من كل طرف، وتفتح الأبواب على مصراعيها لتأبيد الصراع وعودة الانفلات.
حقيقةً، لا يتعلق الأمر بنزاعات ذات طبيعة ظرفية، فنحن أمام معضلة تمسّ صلب الدولة، سواء في شرعيتها (الانتخابات وقواعدها الدستورية) أو توازن السلطات (بين التشريعي والتنفيذي) وبناء أذرع الدولة الإدارية والمالية المؤسساتية، من خلال توافق على توازن المناصب السيادية. وحجر الزاوية سيظل هو الاتفاق على استحقاقات انتخابية تحدّد ميلاد الدولة ما بعد الجماهيرية.
ومما يزيد من احتمالات تكريس التدويل، الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن للاستماع لإحاطة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، وهي نقاشاتٌ تمسّ النظر في صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات، بالرغم من تصريحات السنغالي عبد الله تبيلي، الذي شدّد على أن الحل يجب أن يأتي من الليبيين أنفسهم.
مفيد أن يقتنع المجتمع العربي بخطوات توحيد ليبيا ومساعدتها للخروج من احتمالات التصعيد
وقد رأت منظمة الاتحاد الأفريقي في اتفاق الفرصة المغربية أكبر من عملية تلطيف للأجواء التي أوشكت على الانفجار، وذهب رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي محمد، في تغريدة على "تويتر"، أبعد عندما كتب "آمل أن يبشر (الاتفاق) بحوار سياسي لحل الأزمة المؤسّسية التي تعيشها ليبيا".
لقد حرّر المغرب، في كل تصريحات مسؤوليه وتحرّكاتهم، من أية "أجندة مغربية" في الصراع الليبي، وهو ما عبّر عنه كل الفرقاء، ولربما هو ما يجعل اتفاق الصخيرات الأصلي منذ سبع سنوات قاعدةً تعود إليها أطراف الصراع، كما تزكّيها المواقف الدولية كلما كانت الحاجة قائمةً لتدقيق قواعد الاشتباك الداخلي. وهو ما تشدّد عليه أطراف النزاع في الإشادة بتوجيهات العاهل المغربي محمد السادس، ودبلوماسيته المتجرّدة في الملف الليبي. والمغرب يكرّر، في كل مناسبة، أنه يسعى إلى "المضي في عملية سياسية تنتهي بتنظيم انتخابات توافقية".
الواضح أن القضية الليبية قد تكون موضوع نقاش داخل أروقة مؤتمر القمة العربية التي ستعقد في الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني) في الجزائر، وفي موعد دقيق، قبل شهر من انتهاء المدة التي وضعها عقيلة صالح وخالد المشري للجدول الزمني لتوحيد الحكومة والشروع في الإعداد للانتخابات. ومن المفيد أن يقتنع المجتمع العربي بخطوات توحيد ليبيا ومساعدتها للخروج من احتمالات التصعيد.
سيكون من الظلم التاريخي لليبيا، الغنية بالنفط والغاز، أن تغيب (دولة موحّدة وكيانا متماسكا بمؤسّسات قادرة) عن معادلات شرق المتوسط وغربه، في وقت تزداد الحاجة إليها على هامش الصراع الأوكراني الروسي، والذي بدأت بوادر اتساعه تزداد يوما عن يوم.