"العودة"... فيلم مُعبِّر
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
"العودة" فيلم رسوم مُتحرّكة من إنتاج الصين ناطق بالإنكليزية، من إخراج لوكاس كواو، تأليف جين وين، مُدّته 90 دقيقة من التشويق. تجري الأحداث في غابة آمنة كانت للظباء. يُتوفَّى زعيمها وتضعف القيادة. وكان فريقٌ من الذئاب يترصّد مُنتظراً تلك اللحظة للهجوم على موطنها "الواحة الكبرى"، واحتلال أرضها.
يهرب الظبي الصغير "هاردي"، المُرشّح لأن يحكم الواحة مستقبلاً، حين تطارده الذئاب لقتله. يمتلأ الفيلم بمشاهدَ آسرةٍ، من طبيعةٍ وغناءٍ وألوانَ أُتْقِنت، كما يمكن أن يُمثّل احتلالُ فريقٍ مُشرِّدٍ من الذئاب الواحة حال الدول الضعيفة، التي وقعت في براثن الاحتلال، ولكنّها لم تستلم. فالظبي الصغير "هاردي"، بعد أن هرب من براثن الذئاب، شقّ طريقه وحيداً في صحراء شاسعة قاسية، حتّى وصل إلى غابةٍ تسكنها مجموعة من الظباء، فبّث لها رغبة قومه في التحرّر من الذئاب، ولكنّ الصغير لم يمتلك بعد خصائص القيادة والقوّة البدنية.
في الأثناء، يأتيه خبرُ قتل الذئاب أمَّه، فيزداد إصراره على الانتقام. وفي عزلته الحزينة، يرى سنجاباً يحارب أفعى كوبرا مُجلجِلَة ليحمي صغاره. السنجاب لديه قدرة على المراوغة بسبب إتقانه رياضة الـ"كونغ فو"، الرياضة القتالية الصينية الشهيرة، فاستطاع أن يهزم الأفعى ويُقطّعها. اندهش "هاردي" من مشهد هزيمة سنجاب صغير أفعى عملاقة، وامتلأ قلبه بغبطة إمكانية أن يتحقّق حلمه بطرد الذئاب المُحتلّة أرضه لو امتلك القوّة البدنية. حينها بدأ بالتقرّب من السنجاب، فسرد له ضعفَه وقلَّةَ حيلته، الأمر الذي أدّى إلى كسب تعاطف السنجاب، فعلّمه فنونَ القتال، وأخضعه إلى اختباراتٍ غايةٍ في الصعوبة. وتحت إصراره، مدفوعاً بطاقة الانتقام، اجتاز الظبي الصغير جميع تلك الاختبارات الصعبة.
يعرّفنا الفيلم أيضاً على خيانات بين الظباء أدّت إلى توغّل الذئاب في الواحة، واستعبادها سكّانها، علاوة على احتلال أرضها. في هذه الأثناء، كان "هاردي" يكبر، وإصراره على الانتقام يشتعل وينمو في داخله. وحين صلب عوده، قاد فريقاً من الظباء باتّجاه الواحة لتحريرها من الذئاب. فدارت معاركٌ شرسةٌ بين الفريقَين. وتتكرّر في الفليم كلمة "الاحتلال"، وضرورة دحر المُحتلّ من أرض الظباء. يُذكّرنا المشهد بالحاصل الآن في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، وصراعها من أجل تحرير قطاع غزّة، وفلسطين كاملة (ولِمَ لا؟!) من براثن المعتدين.
وفي دلالات الفيلم أيضاً، أنّ الخائن "سرير"، الذي كان وصيّاً على "هاردي" صغيراً، حرص على أن يتمتّع الطفل بمختلف أنواع الرفاهية، مثل اللعب طوال الوقت، والنوم، وأكل العشب الطري، حتّى لا ينشغل بأمور القيادة. ولكن حدثت مصادفةٌ صادمةٌ جعلت هاردي يراجع حساباته كلّها، حين التقى ظبيةً في الطريق، قُتل أبوها وهو يحمي "هاردي" من ثلاثة ذئاب تسلّلت لقتله بسبب خيانة "سرير"، الذي مهّد لها سراً مسلكاً آمناً للوصول إلى الطفل. هذه الظبية انفعلت بشدّة حين مات أبوها، وباحت لـ"هاردي" بأنّه لا يستحقّ أن يكون قائداً، لأنّ شواغله الشاغلة هي الرفاه والنوم والأكل واللعب. غيّرت هذه الصدمة حياة "هاردي" واتجاهه، لينتقل من الدعة والسكون إلى البحث عن مخرج لإنقاذ بلده، فبدأ بنفسه حين اختار طريق التدريب الحامي، وتحمَّلَ جميع المشاقّ في سبيل أن يصير قويّاً لديه القدرة على قيادة أهل واحته خلفاً لوالده.
أدّت في النهاية المعارك المتوالية إلى اتّحاد الظباء خلف قائدها القوي، حين رأت فيه صفات القائد التي يمكن أن تحقّق من خلالها حلم تحرير واحتها من المُحتلِّين، وبذلك تمكّنت من هزيمة الذئاب، وطردها، فخرجت مُندحرة عائدة من حيث أتت.
وكأنّ هذا الفيلم الصيني، الذي وُضِع للصغار، يحاكي ما يحدث الآن في غزّة، من مقاومة باسلة، واتحادٍ بين فصائل مقاومة عدّة خلف قيادة موحّدة لطرد الاحتلال، ليعود مدحوراً من حيث أتى. الفيلم أيضاً لا يشعر معه المشاهد بأيّ مللٍ، وذلك نظراً إلى كمّية الأحداث المتتالية فيه، ولكميّة التشويق المضمونة، إلى جانب الموسيقى التصويرية المُوفّقة، والحوار المتصاعد بين الممثّلين ذئاباً وظباءً.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية