01 أكتوبر 2022
العملية التركية في عيون عربية
"قلوبنا وعقولنا مع جيشنا .. رغبتنا الوحيدة أن يعم السلام والهدوء في أسرع وقت، نحن مع جنودنا ونصلي لهم". ليست هذه العبارة لأحد أعضاء حزب الرئيس التركي، أردوغان، بل هي لأكرم داود أوغلو، عمدة إسطنبول الجديد الذي احتفى به أعداء أردوغان الإقليميون باعتباره بطلهم الموعود!
يمثل هذا الموقف أحد جوانب التعقيد في مشهد العملية العسكرية التركية في سورية، والتي كشفت استمرار قطاع كبير من المعلقين العرب في اتخاذ المواقف السياسية عبر ثنائيات سطحية... يجهل أو يتجاهل من شخصنوا القصة في أردوغان الشرير أن أبرز معارضيه قد أيدوا العملية. كيلدشار أوغلو، زعيم حزب الشعب، الخصم التاريخي لأردوغان، كتب على "تويتر": "صلواتنا لجنودنا الأبطال الذين ينزفون ليكملوا عملية نبع السلام بنجاح في أقرب وقت، بارك الله في أبنائنا". وبينما هلل بعض العرب للعقوبات الأميركية باعتبار أنها ستضعف شعبية أردوغان، جهلوا أو تجاهلوا أن موقف معارضيه بعمومه كان داعماً له هنا أيضاً. وصفت زعيمة الحزب الجيد، ميرال أكشنار، تصريحات الرئيس ترامب بأنها "عار دبلوماسي"، وكتبت "عندما تبدأ مدفعية الجيش بالقصف، يصمت الجميع...".
لن يستغرب أبسط متابع للتاريخ الحديث التركي ذلك، فتاريخياً، منذ عهد المؤسس أتاتورك، اتخذت كل الحكومات التركية مواقف بالغة الصرامة ضد القضية الكردية، امتدّت إلى رفض أي تمثيل قومي لهم، فلغتهم محرّمة وثقافتهم محظورة، وأغلب الأحداث الدموية وقعت قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بل، للمفارقة، كان من أبرز انتقادات خصومه ضده تهاونه مع الأكراد!
في المقابل، وقع مؤيدو العملية العرب في فخ الانجراف العاطفي للخطاب الرسمي التركي عن اقتصار العملية على استهداف تنظيم إرهابي، هو حزب العمال الكردستاني، بينما واقعياً هدفت العملية إلى تغيير ديمغرافي يمنع احتمال إنشاء دولة أو شبه دولة كردية متصلة، وسيتم حشد "المنطقة الآمنة" بلاجئين عرب يمثلون خطاً عازلاً على الحدود التركية. وفي سياق ذلك، تحفل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية بإدانة الانتهاكات ضد المدنيين منذ وقت طويل. في مطلع 2018، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها وثقت سقوط 26 مدنياً، منهم 17 طفلاً في غارات جوية، نفذها الجيش التركي على قضاء عفرين في محافظة حلب. وفي العملية الجارية، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان وقائع إعدام ميداني، نفذها سوريون متحالفون مع القوات التركية ضد تسعة مدنيين أكراد، أبرزهم الأمين العام لحزب سورية المستقبل، المهندسة هفرين خلف.
وفي المقابل، ليست الصورة الوردية لقوات سوريا الديمقراطية بهذه النصاعة. تكرّر توثيق وقائع تهجير العرب من قرى شرق الفرات ومناطقه، والاستيلاء على ممتلكاتهم، في محاولة تغيير ديمغرافي عكسية، كما تكرّر اعتقال ناشطين وممثلين سياسيين عرب، واتهامهم بموالاة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الرغم من عدائهم له، وذلك لاستمرار حصر التمثيل السياسي في العرب المتحالفين مع قوات سوريا الديمقراطية.
وتخفي صور المقاتلات الكرديات الجميلات وجهاً آخر، هو التجنيد الإجباري للأطفال الذي دانته المنظمات الحقوقية الدولية مراراً. وثّق تحقيق استقصائي أنتجته شبكة "سراج" عدة حالات، منها الطفلة أفين صاروخان، وعمرها 12 عاماً، تم خطفها من أمام مدرستها، ولم تجد الأسرة الملتاعة أي معلومةٍ عنها، حتى ظهرت صورتها بملابس عسكرية على "فيسبوك" مع عبارة شاعرية: "جمالك ورقتك لا يخفيان الثورة في داخلك".
ليس مطلوبا الاكتفاء بإدانة كل الأطراف واعتزال الفتنة، فهذا وجه آخر لـ"التطهرية السياسية" لا يختلف كثيراً عن اعتناق ملائكية الحليف وشيطنة الخصم، بل المطلوب اتخاذ مواقف سياسية مركّبة تليق بتركيب الواقع. ومن هذه الزاوية، جوهر الأزمة هنا هو تغييب الطرف الشعبي السوري، ومن خلفه الطرف العربي، إلا كتوابع وأذيال للقوى الخارجية، وليس طرفاً جديراً بمقعد تفاوضٍ جاد على الأقل.
وخلف هذا الغياب الميداني، غياب وتغييب أي مشروع يقدّم بديلاً يمثل دولة سورية وطنية تجمع كل مكوناتها. وهكذا سيبقى السوريون والعرب في مقاعد المتفرّجين، بانتظار انبعاث مشروع ديمقراطي عربي تأخر طويلاً، لكن بوارق أمله لا تغيب.
لن يستغرب أبسط متابع للتاريخ الحديث التركي ذلك، فتاريخياً، منذ عهد المؤسس أتاتورك، اتخذت كل الحكومات التركية مواقف بالغة الصرامة ضد القضية الكردية، امتدّت إلى رفض أي تمثيل قومي لهم، فلغتهم محرّمة وثقافتهم محظورة، وأغلب الأحداث الدموية وقعت قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بل، للمفارقة، كان من أبرز انتقادات خصومه ضده تهاونه مع الأكراد!
في المقابل، وقع مؤيدو العملية العرب في فخ الانجراف العاطفي للخطاب الرسمي التركي عن اقتصار العملية على استهداف تنظيم إرهابي، هو حزب العمال الكردستاني، بينما واقعياً هدفت العملية إلى تغيير ديمغرافي يمنع احتمال إنشاء دولة أو شبه دولة كردية متصلة، وسيتم حشد "المنطقة الآمنة" بلاجئين عرب يمثلون خطاً عازلاً على الحدود التركية. وفي سياق ذلك، تحفل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية بإدانة الانتهاكات ضد المدنيين منذ وقت طويل. في مطلع 2018، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها وثقت سقوط 26 مدنياً، منهم 17 طفلاً في غارات جوية، نفذها الجيش التركي على قضاء عفرين في محافظة حلب. وفي العملية الجارية، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان وقائع إعدام ميداني، نفذها سوريون متحالفون مع القوات التركية ضد تسعة مدنيين أكراد، أبرزهم الأمين العام لحزب سورية المستقبل، المهندسة هفرين خلف.
وفي المقابل، ليست الصورة الوردية لقوات سوريا الديمقراطية بهذه النصاعة. تكرّر توثيق وقائع تهجير العرب من قرى شرق الفرات ومناطقه، والاستيلاء على ممتلكاتهم، في محاولة تغيير ديمغرافي عكسية، كما تكرّر اعتقال ناشطين وممثلين سياسيين عرب، واتهامهم بموالاة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الرغم من عدائهم له، وذلك لاستمرار حصر التمثيل السياسي في العرب المتحالفين مع قوات سوريا الديمقراطية.
وتخفي صور المقاتلات الكرديات الجميلات وجهاً آخر، هو التجنيد الإجباري للأطفال الذي دانته المنظمات الحقوقية الدولية مراراً. وثّق تحقيق استقصائي أنتجته شبكة "سراج" عدة حالات، منها الطفلة أفين صاروخان، وعمرها 12 عاماً، تم خطفها من أمام مدرستها، ولم تجد الأسرة الملتاعة أي معلومةٍ عنها، حتى ظهرت صورتها بملابس عسكرية على "فيسبوك" مع عبارة شاعرية: "جمالك ورقتك لا يخفيان الثورة في داخلك".
ليس مطلوبا الاكتفاء بإدانة كل الأطراف واعتزال الفتنة، فهذا وجه آخر لـ"التطهرية السياسية" لا يختلف كثيراً عن اعتناق ملائكية الحليف وشيطنة الخصم، بل المطلوب اتخاذ مواقف سياسية مركّبة تليق بتركيب الواقع. ومن هذه الزاوية، جوهر الأزمة هنا هو تغييب الطرف الشعبي السوري، ومن خلفه الطرف العربي، إلا كتوابع وأذيال للقوى الخارجية، وليس طرفاً جديراً بمقعد تفاوضٍ جاد على الأقل.
وخلف هذا الغياب الميداني، غياب وتغييب أي مشروع يقدّم بديلاً يمثل دولة سورية وطنية تجمع كل مكوناتها. وهكذا سيبقى السوريون والعرب في مقاعد المتفرّجين، بانتظار انبعاث مشروع ديمقراطي عربي تأخر طويلاً، لكن بوارق أمله لا تغيب.