العربي الجشع وموت الليدي ديانا
بعد موت الليدي ديانا (1997) ظهرت نظريات عديدة ترجع أسباب الحادث الذي تسبب بمقتلها مع دودي الفايد إلى مخطّط وأمر بالاغتيال من المخابرات البريطانية، وبأمر من الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث مباشرة، فالعلاقة بين ديانا والأمير لم تكن في أحسن حالاتها فترة زواجها من ولي العهد آنذاك الأمير تشارلز، فهو أرادها أن تكون في خدمة التاج، بينما كانت هي تنفر من القواعد الملكية الصارمة، خصوصا بعد معرفتها بعلاقة تشارلز وكاميلا، وبعد أن أصبحت هذه العلاقة حديث الصحافة البريطانية. كما أن الأمير فيليب، الصارم فيما يخص سمعة التاج، لم يكن راضيا عن سلوك الأميرة بعد طلاقها فهي والدة أبناء الملك القادم، وسلوكها سوف يجعل سمعة التاج في خطر؛ هذا التنافر الذي كان معروفا للبريطانيين وقتها هو ما جعل بعضهم يعتقدون بوجود أمر اغتيال للأميرة وصديقها؛ وهو أيضا ما جعل محمد الفايد والد دودي يكلف فريقا مختصّا لإثبات هذا الأمر.
انتهت تلك الافتراضات قبل زمن، وجرى اعتبار مقتل الأميرة ديانا ودودي الفايد حادثا عاديا غير مدبّر تسبب به الباباراتزي (المصورون) الذين كانوا يلاحقون الأميرة كالمجانين في أثناء وجودها في رحلتها الأخيرة مع صديقها دودي الفايد في فرنسا، والسائق الذي كان مخمورا في أثناء قيادته السيارة. وبذلك، انتهت، كما يفترض، سيرة الحادث الذي شغل محبّي الأميرة في العالم وقتا طويلا.
لكن تلك السيرة عادت إلى الظهور مع الجزء السادس والأخير من مسلسل التاج الذي تعرضه منصة نتفليكس من إخراج بيتر مورغان، حيث يتطرّق هذا الجزء إلى الحادث المأساوي الذي أودى بحياة أميرة القلوب، واعتباره حادثا تسبب به الباباراتزي والسائق المخمور من دون أية شبهة لتدخّل أحد من القصر في ذلك. وكان يمكن أن يمضي الأمر بسلام لمن تابع هذا الجزء، لولا التشنيع الذي قدّمه المسلسل بشخصيتي محمد الفايد (يؤدّي دوره الفلسطيني سليم ضو) وعماد الفايد (يؤدّي دوره المصري خالد العبد الله). إذ أظهر المسلسل أن محمد الفايد كان هو من استأجر الباباراتزي لملاحقة الأميرة ديانا وتصويرها برفقة دودي، ومطالبة البابارتزي بنشر صورهما وأخبار علاقتهما على نطاق واسع لوضع قصر باكنغهام والمؤسّسة الملكية والحكومة البريطانية أمام واقع ارتباط الأميرة بالفايد الشاب، وذلك من أجل الحصول علي الجنسية التي رفضت الحكومة البريطانية منحها له مرّات، ومن أجل التسهيلات التي ستمنح لاستثماراته الكبيرة في بريطانيا. ما دفعه (حسب المسلسل) إلى وضع خطّة محكمة لتقريب الأميرة من ابنه الشاب، ومطالبة الابن بالالتزام بتلك الخطّة، وفرض الارتباط الرسمي على الأميرة عبر إهدائها خاتم خطوبة فاخرا، وجعلها تضعه في إصبعها فيتم تصوير الخاتم في يدها ويعرف الجميع بهذا الارتباط؛ وهو ما جعل الابن الشاب في المسلسل يبدو بلا شخصية ومستعدا لتنفيذ كل رغبات والده الجشع، رغم عدم حبّه ديانا. لكن خوفه من والده يمنعه من الاعتراض على الخطة، فينفّذها بحذافيرها؛ مع أن سيرة حياة الشاب في الواقع، وقبل تعرفه بالليدي ديانا، لم تكن هكذا. فهو رفض العمل مع والده في استثماراته، وانتقل إلى أميركا وعمل في الإنتاج السينمائي، أي أنه صاحب شخصية مستقلة وقوية، لا كما ظهر في المسلسل خائفا وجبانا أمام رغبات والده التي كانت السبب في الحادث الذي أودى بحياة ديانا ودودي، كما أظهر المسلسل.
هكذا اقترح صنّاع مسلسل التاج نظرية مؤامرة أخرى لموت الليدي ديانا، سببها الطموح الجامح والجشع للعربي المسلم محمد الفايد، والشخصية الهزيلة والضعيفة لابنه؛ وكأن دحض الافتراضات القديمة عن الحادث لا يمكن أن يتم من دون تأكيد نظرية أكثر إقناعا للجمهور الغربي الذي يعاني أصلا من رُهاب الإسلام، والذي ازداد عنصرية وميلا إلى التطرّف اليميني مع ازدياد لجوء العرب والمسلمين إلى بلاد الغرب خلال العقد الماضي.
لا نعرف من أين جاء صنّاع المسلسل بهذه النظرية، فلا يوجد في كل الأخبار عن مقتل ديانا شيء من هذا إطلاقا. ولا يمكن تفسيره بذريعة السياق الدرامي فقط، وحتى لو كان كذلك فهو أظهر استعلاء مقزّزا لا يمكن أن يتجاهله صنّاع العمل تجاه الشخصيتين العربيتين في المسلسل.