"العربي الجديد" في عيد ميلاده العاشر

11 ابريل 2024
+ الخط -

شكّل اسم "العربي الجديد" عنصرَ جاذبيةٍ وجُرأَةٍ، وقد اختار المَوقِعُ الإلكتروني أنّ يُطِلَّ على الواقع العربي وهو يحمل اسماً مُركّباً في 30 مارس/ آذار 2014، في زمن ساد فيه الاعتقاد بنهاية المشروع القومي، وتراجُعِ أسهمه ودرجات حضوره في السياسات العربية. استطاع الموقع أن يكمل عقداً من حضوره الفاعل، والمتفاعل مع كلّ ما يجري في المحيط العربي وفي العالم. وخلال سنوات عشر مَرَّت بسرعة، يحقّ لقرّائه أن يتساءلوا عن الأدوار والخدمات التي صنعت هذا المِنْبَر في دائرة الإعلام العربي، كما يحقّ لهم، التفكير في سمات الجِدّة التي رسمت الموقع، وهو يواجه التحوّلات الجارية في عالمنا.

كان عنوان مقالتي الأولى في الموقع، في 3/4/ 2014، "العربي الجديد... أفقٌ وطريق". وكان اسمُه قد شكَّل في ذهني عنصرَ جُرأةٍ وجذبٍ. انطلقتُ في تحريره (العنوان) من الإيمان بأنّ من يقف وراء المشروع يتوخّى الإسهام في إعادة بناء المعالم الكبرى لعروبة المستقبل، عروبة التحديث والتحوّل الديمقراطي. وضمن هذا الأفق، اخترتُ الإسهام طوال سنوات العقد التي اكتملت بحلول إبريل/ نيسان 2024. لستُ هنا بصدد تقديم ما أنجزت من مقالاتٍ في صفحة الرأي، فهذه مسألة صعبة، وسأكتفي بالقول إنّني كنتُ وما زلت أمام رحلة في الزمان وفي البحث والكتابة، بمختلف صعوباتها ومفارقاتها وتناقضاتها، رحلة في التاريخ بكلّ ما يحمله من تعقيد وعناء، وبكلّ ما يُفجّره من مدّ وجزر. اخترتُ الإسهام في ما اعتقدت أنّ اسم الموقع يُشير إليه، أيّ الإسهام بصورة تسمح بمواجهة أبرز التحوّلات الناشئة في المحيط العربي وفي العالم، الأمر الذي ترتّب عليه تنويع المواقف والآراء المعنية بأسئلة وإشكالات الواقع العربي في جريانه.

كتبتُ المقالة الأولى تحت تأثير جاذبية اسم "العربي الجديد"، تحت تأثير الجرأة التي تمتع بها الاسم في ذهني، في زمن ساد فيه كثيرٌ من نفور من إعلام وأدبيات المشروع القوميّ التقليديّ، وشكّلت مقالات الرأي التي نُشرت فيه خلال السنوات العشر المنصرمة مناسبة متواصلة للتفكير وإعادة التفكير في بعض أسئلة ومعضلات الحاضر العربي، وفي كثيرٍ من أوجُه التحوّلات الجارية في عالمنا. وقد حرصت على معاينة كيفية عناية الموقع بأسئلة الراهن العربي في غليانه، بحكم أنّ صُدوره واكب جملة من الانفجارات التي لم تتوقف طوال سنوات العقد الثاني من الألفية الثالثة، حين وضعنا "الربيع العربي" أمام تجربة تاريخية غيرَ مسبوقةٍ، أسهمت وتسهم في صناعة كثير من تحديات ومعارك جديدة في الحاضر العربي.

أهم مزايا "العربي الجديد" تبرز في احتضانه المواقف المختلفة والمتناقضة أحياناً، وسعيه الدائم لتحرير مقالاته ببلاغة مُبدعة

وجد فريقُ العملِ نفسَه، في سنوات الصدور الأولى، أمام جملةٍ من الأحداث غير المُتوقّعة، انفجارات تملأ الفضاءات العامة في غالبية البلدان العربية، وتتّجه لتعميم الثورات العربية في العام 2011. وجد "العربي الجديد" نفسه أمام الخلافات العربية العربية، ثم أمام تركة الثورات التي تحقّقت، والأخرى التي انخرطت في مواجهة ممانعات وتداعيات مُختلفة. واجه "العربي الجديد" بعض مظاهر عودة الاستعمار إلى بعض البلدان العربية. وقد ترتّب عن كلّ ما أشرنا إليه نشوء ثوراتٍ مضادّةٍ حاول أصحابها مواجهة روح المدّ الثوري ورياحه، وحاولوا التصدي لكلّ ما يمكن أن يسمح بتحديث المجتمعات العربية وتحويلها نحو الديمقراطية. وتواجه الصحيفة اليوم، ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، معركةَ مقاومةِ حرب إبادة الفلسطينيين التي أعلنها الكيان الصهيوني على غزّة. وفي قلب المذكور سابقاً، لم تكن مهمّة "العربي الجديد" سهلة، فواجه الطاقم المشرف على إعداده خلال السنوات العشر المنصرمة مجموعة من الأحداث والمواقف، وركّب في سياق هذه المواجهة الخياراتِ التي بدت له أكثر قرباً من تطلّعات "العربي الجديد"، الذي يَنخَرِط اليوم في لغة جديدة، مُتوخّياً التفاعل مع المشروع العربي في النهضة والتقدّم.

لم يكنْ عبورُ عقدٍ من الزمن بالأمر الهَيِّن، وقد تعاقبت على تدبير إعلام "العربي الجديد" وأعماله مجموعةٌ من الإعلاميين، واشتركت في ضبط تبويبه ومواده مجموعة من الصحافيين والخبراء، ونتصوَّر أنّه نجح في تخطّي صعابٍ كثيرة اعترض طرائقه في العمل. ونتجه بمناسبة عيد ميلاده العاشر إلى أن نفكّر في مستقبله، في عالم تزايد فيه دور الإعلام في صناعة الأحداث ومواكبة المتغيّرات وتركيب البدائل بصورة مدهشة. فماذا ننتظر من موقع انتصر على كثير من الحواجز والعوائق التي واجهته خلال السنوات العشر الماضية؟ نعرف جوانبَ من الروح المهنية المُوجّهة لكثير من نواحي عمله، كما نعرف نوعية الحضور الرقمي، الذي يمنحه اليوم فضاءاتٍ ومساحاتٍ لا يتيحها النظام الورقي. نعرف أيضاً، نمط التطوّر الذي لحقه خلال سنوات العقد الذي عَبَر فصوله وأحواله، ومن حقّنا أن نتساءل، ماذا ننتظر منه اليوم، وقد انخرط في الأيام الأولى من سنته الجديدة؟

استطاع "العربي الجديد" أن يصنع لنفسه مكانة رمزيّة مهمّة في زمن قصير، وداخل دائرة إعلامية مليئة بالصراعات والتجاذبات المُركَّبة والمُعقَّدة

يقف المُتابِع لمحتوى ما ينشره "العربي الجديد" عند صور حرصه، خلال سنوات العقد الأول من عمره، على كيفيات تجديد وتطوير طرائقه في العمل، سواء في شبكة الملاحق التي صدرت عنه أو في قلب صفحاته الإلكترونية أو في نسخته الورقية. فقد استطاع أن يصنع لنفسه مكانة رمزيّة مُهمّة في زمن قصير، وداخل دائرة إعلامية مليئة بالصراعات والتجاذبات المّركَّبة والمُعقَّدة. وأتصوّر أنّ ما ساعده على تحقيق المكانة التي أصبحت له، يتمثل في أنّه حرص ولا يزال، منذ أعداده الأولى، على العناية المهنية بمختلف قضايا الواقع العربي. وقد عَايَنَّا ونحن نتابِع التحليلات والآراء التي تنشر على صفحاته، حرص طاقمه على الطابع المتنوع لما ينشره من مواقف وآراء، لتعكس صفحاته مختلف الحساسيات السياسية والثقافية، ومختلف المواقف التي تملأ الواقع العربي. وكان حرصُه على ما ذكرنا يعادل حرصه، في الآن نفسه، على تركيب ما يمكن أن يساهم في توضيح أفقه السياسي العام، الأفق الذي يتّجه لبنائه في عالم بدت عليه كثير من علامات التلاشي، كما بدت عليه، في الآن نفسه، علامات أخرى تشير إلى أطوار عالم جديد يتشكّل.

لا نتردّد في القول إنّ أهم مزايا "العربي الجديد" تبرز في احتضانه المواقف المختلفة والمتناقضة أحياناً، وسعيه الدائم لتحرير مقالاته ببلاغة مُبدعة، مُكثّفةً وكاشفةً لكثير من أوجُه الأحداث التي تركّب ملامحه العامة. وبهذه الطريقة، نسج لنفسه وسط خريطة الإعلام العربي والعالمي موقعاً وموقفاً، فتحول إلى مِنْبرٍ للتفاعل اليقظ مع مختلف ما يجري في العالم من أحداث.

C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".