الطلاب السوريون في لبنان ضحية الابتزاز
بكل استسهال، خرج المدير العام لوزارة التربية اللبنانية، عماد الأشقر، قبل يومين، للإعلان عن توقيف الدروس في المدارس الرسمية بعد الظهر المخصّصة للطلبة السوريين، ما يعني عملياً حرمانهم من حقهم في التعليم إلى حين. خطوة جاءت بعد فشل المفاوضات بين الوزارة والأساتذة الذين يدرّسون الطلبة اللبنانيين بخصوص تحسين أوضاعهم ورفع البدل المالي الذي يتقاضونه، وقرارهم بالإضراب. برّر الأشقر القرار بأنه يأتي "عملاً بمبدأ المساواة"، وبأنه "لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا وأن يتعلّم أولاد غيرنا (أي الطلبة السوريون)". ولذلك ربط عودة التعليم بعد الظهر بـ"حل مسألة التعليم ما قبل الضهر". وسبق إعلان الأشقر قول وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عباس الحلبي، إن "لبنان لن يقترض لتعليم غير اللبنانيين".
تدرك الوزارة أن الطلبة اللبنانيين ممن يلجأ أهاليهم إلى تسجيلهم في المدارس الرسمية اليوم لا يعتمدون هذا الخيار، نظراً إلى المستوى المتميز لهذه المدارس، بل فقط لأنهم ليسوا من أصحاب الدولار الفريش الذي يتيح لأبنائهم نيل مقعد في مدارس خاصّة. وبالتالي، ليس لديهم أي بديل. كما تعي الوزارة أن هؤلاء الطلبة يتحمّلون، منذ بداية الأزمة الاقتصادية و"كورونا"، تبعات انهيار القطاع التعليمي وتراجع المستوى، وأنهم بفعل الإضرابات الجديدة التي بدأت سيُحرمون من مزيد من ساعات التدريس. وعوضاً عن محاولة الحكومة اللبنانية البحث عن حلٍّ للأزمة "من كيسها"، بما أنها المسؤولة أولاً وأخيراً عن تعليم الطلبة اللبنانيين، لم تجد كعادتها، نافذة للتهرّب إلا برمي المسؤولية على غيرها، فأخرج مسؤولو وزارة التربية معادلة الابتزاز مصوّبين على تعليم الطلاب السوريين.
تريد الحكومة اللبنانية تحميل المجتمع الدولي مسؤولية تحمّل نفقات تعليم اللبنانيين في المدارس الرسمية، خصوصاً بعد بروز شرط دمج الطلاب السوريين واللبنانيين لتقديم الدعم لقطاع التعليم الرسمي اللبناني، مستغلّة أيضاً تحفّظ الأساتذة على هذا الشرط.
يحقّ للأساتذة المطالبة بتحسين أوضاعهم المادية في ظل الظروف المزرية التي يعيشونها. ويحقّ لهم التحفّظ على شرط الدمج، وإبداء ملاحظاتهم على هذا المقترح، خصوصاً أنه من دون تعاونهم لا يمكن ضمان تطبيقه أو نجاحه. ولكن لا يحقّ لأحد تدفيع الطلاب السوريين ثمن هذه الأزمة والسكوت عن هذه الفضيحة.
أي فجوة اليوم بين تكاليف تعليم الطلاب السوريين وما تقدّمه الهيئات المانحة لا تعود فقط إلى تراجع تقديمات الجهات المانحة، بل إلى الفساد الذي ينخر الوزارة وعدم الثقة بها. وهنا أيضاً يمكن العودة إلى التحقيق الذي أعدّه، في تلفزيون الجديد، برنامج "يسقط حكم الفاسد" في لبنان في عام 2020، للصحافي رياض قبيسي، والذي أظهر حجم الفساد في ملف تعليم الطلاب السوريين والأرقام الوهمية التي تقدّمها وزارة التربية بشأن عدد الطلاب الذين هم مسجلون، فيما تبخّرت الأموال.
قبل أن تحاول الحكومة اللبنانية ابتزاز المجتمع الدولي لنيْل تمويل إضافي، يُفترض أن تجبَر وزارة التربية على تقديم كشف حسابٍ شاملٍ، يظهر حجم الأموال التي تلقتها منذ توليها مسؤولية إدارة ملف الطلاب السوريين، وأين ذهبت هذه الأموال، وكيف توزّعت بين رواتب للأستاذة وصناديق مدارس ... كما يتعيّن على الوزارة كشف الأرقام الحقيقية للطلاب السوريين الذين استفادوا من الدعم في التعليم الرسمي. ولماذا هناك دائماً تضارب بين الأرقام التي كانت تقدّمها للمسجلين والأرقام الحقيقية، ولماذا تتجاهل التسرّب المدرسي بينهم الذي جرى تسجيله بنسب كبيرة طوال السنوات الماضية. كما على الوزارة أن تجيب على تساؤلات الأساتذة التي نشرت في وسائل إعلام لبنانية في الفترة الماضية، بشأن وصول مليار ومائتي مليون دولار إلى الوزارة، من دون أن يُكشف عن آلية صرفها، وعن فضيحة عدم حصول الأساتذة على مبلغ الـ90 دولاراً المخصّص لهم من تمويلٍ قدّمه البنك الدولي، وغيرها من فضائح كثيرة.