الطائفية والبكداشية

23 اغسطس 2015
+ الخط -

لأن زياد الرحباني فنان كبير، ولأنه، بحسب ما يقول يحيى جابر، مهضوم؛ فقد أطلق على فرقته اسم: فرقة الروم الأرثوذوكس. هذا، في الحقيقة، فألٌ حسن، ويدل على أنه لا توجد لدى طائفة الروم الأرثوذوكس مشكلة مع الفن بشكل عام، ولا مع فن زياد الرحباني الذي يقف إلى يسار اليساريين جميعهم بشكل خاص. بمعنى آخر، لا يعتبر هؤلاء القوم الفنَّ بدعة، وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فلو كانوا كذلك لهاجموا مسرحَهُ، وأحرقوه، مثلما فعل بعضُ جدودنا بجَدِّنا أبي خليل القباني، قبل أكثر من مائة سنة،... ووقتها، لن يستطيع زياد السفرَ إلى مصر، كما فعل القباني، إذ أصبح سَفَرُنا إليها، بفضل استيلاء عسكر عبد الفتاح السيسي على مقدراتها، يحتاج إلى فيزا.

ولكن، يتساءل يحيى جابر: إذا أردتُ أنا، باعتباري إنساناً مهضوماً كذلك، أن أسمي فرقتي (فرقةَ الشيعة)، ماذا سيحصل؟

تتيح لنا هذه الطريقة الجميلة في المزاح، ربما، أن نخوض في الشؤون الطائفية، والمذهبية، والقومية، والعرقية، والمناطقية، بأقل ما يمكن من الحياء. لا بل سنمتلك من الجرأة ما يكفي للقول إن هذه الأشياء المخجلة أصبحت هي الأساس، والمحور، والجوهر، الخاص بحياة شعوب الشرق، والعرب، والمسلمين،.. والسوريين بطبيعة الحال.

لن يقبل أهلُ السُّنَّة من يحيى جابر هذه التسمية، بالطبع، وسيقول قائلُهم: ألا يكفي أنك شيعي، رافضي، ذو تقية، وفوقها مشخصاتي؟ وسيعترض عليه شيعةُ حزب الله الأشاوس، لأنه من شيعة السفارة، يعني أنه لا يخضعُ لمشيئة الولي الفقيه، ويقف في صف الأميركان، ويعادي محور (المُؤَاوَمة) والممانعة، بينما يُرْسِلُ حامي حمى الشيعة والمؤاومة، حسن نصر الله، الكتائب العسكرية تَتْرَى إلى بلاد الشام، من أجل قتل أهل السُّنَّة، ومن ثم حماية مقام السيدة زينب؛ باعتباره، أي المقام، أصبح ملكية شيعية خالصة؛ يُخشى عليه من عدوان الوهابيين التكفيريين الذين قاموا بتمرد سني على أخيه وشقيقه العلوي، بشار بن حافظ الأسد.

لم يكن العبقري، عاصي الرحباني، ليقبل بتسمية مسرحه، أو فرقته، باسم الروم الأرثوذوكس أو غيرهم، فهو الذي أحدث، مع شقيقه منصور وشعراء الحداثة السوريين واللبنانيين والمصريين وفيروز، ثورةً فنية كبرى تتلخص في السمو، والانعتاق، والتحرر، والتطلع إلى قطيعة نهائية مع التخلف، وقد امتدتْ مساحةُ فنه على طول الكرة الأرضية وعرضها، ومن ثم، وتحصيلاً لحاصل، يستحيل أن يؤيد إجرامَ بشار الأسد بحق الشعب السوري، مثلما فعل ولدُه زياد، إذ قال الأخير: لو كنت مكان بشار الأسد لفعلتُ مثله.

يقودنا الحديث عن زياد ومواقفه المشينة إلى الحديث عن طائفةٍ سياسيةٍ، ظهرت في القرن العشرين، وترسخت، وما تزال مستمرة، هي: الطائفة البكداشية. فلقد تحول الحزب الذي كان يُعرف في بداياته باسم "الحزب الشيوعي السوري اللبناني"، اعتباراً من أواسط السبعينيات، بفضل القائد التاريخي، خالد بكداش، من حزب مادي ديالكتيكي يدافع عن الكادحين والمظلومين، ويتبنى النضال ضد الإمبريالية والرأسمالية والتخلف والرجعية.. إلى مشروع حزب وراثي ستاتيكي، يقتات على فتات السلطة الديكتاتورية التي أرساها حافظ الأسد، ويكيل المديح له ولعائلته، ويدافع عن تنكيله بالشعب، مسوقاً ذريعة ابتدعها الرفاقُ السوفيات، مفادُها بأن المرحلة تقتضي دعم الأنظمة الوطنية في دول العالم الثالث؛... وأن أية قوى تثور على هذا المستبد إنما هي قوى ظلامية تريد أن تأخذ البلاد نحو الهاوية.

هذا ما كان، يا أخي يحيى، من شأن إخوتنا الطائفيين، وأحب أن أحيطك علماً بأن هذه الطائفية، التي أصبح اللعب فيها يجري، في بلادنا، على المكشوف، ستجعل الرحمة تنهمر على روح القس، مالتوس، الذي يرحب بالحروب والأوبئة والكوارث، وأن بلادنا، بفضلها، ذاهبة إلى التفتت، والتآكل، وأمتنا ذاهبة، بخطى حثيثة، نحو الانقراض.      

      

 

  

 

    

  

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...