الصندوق العراقي
انتخابات تشريعية مبكّرة يشهدها العراق غدا السبت، هي الأولى من بين خمس دورات منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، التي يجري النظر إليها محليا وخارجيا كاستحقاق، يمكنه أن يؤسّس لوقف عجلة الانهيار التي تتدحرج منذ سقوط بغداد. ومما تمتاز به أنها تأتي بمثابة نتيجة للانتفاضة الشبابية العراقية التي بدأت في خريف 2019، ونجحت في إحداث عدة تغييرات في توزيع السلطة، أهمها في موقع رئاسة الوزراء، وتم اختيار مصطفى الكاظمي في مايو/ أيار 2020، وهو شخصية مستقلة، في نوع من التسوية بين المحتجين والتقاطعات الإقليمية والدولية، ولذلك يجري التعويل على النتائج التي ستقود نحو المحطة الثانية. ويعمل الكاظمي من أجل التجديد له في منصبه، حتى يستكمل المشاريع التي باشرها خلال عام ونصف العام من مزاولته مهامه، وأهمها استعادة موقع العراق الذي تعرّض للتهميش بفعل النفوذ الإيراني الذي استشرى بعد الاحتلال الأميركي، وبلغت ذروته خلال ولايتي رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي (2006 - 2014) في ظل إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، بارك أوباما، الذي ترك الحبل على الغارب، كي تتغلل إيران في العراق أمنيا وسياسيا واقتصاديا، حتى باتت تُمسك بالمفاصل الأساسية بالسلطة والقرار. وليست مهمة الكاظمي سهلة، أو مستحيلة، شريطة ألا تقف طهران في طريقه، ويحصل على تأييد ودعم واشنطن والعواصم الأوروبية وبعض العربية، ومنها القاهرة والرياض. ويبقى نجاح هذه المهمة معلّقا على الآثار المترتبة على انسحاب القوات الأميركية من العراق، وعودة مفاوضات الإتفاق النووي الإيراني، وتحقيق تقدّم في المباحثات بين طهران والرياض برعاية بغداد.
واجهت الانتخابات مطالباتٍ من الحراك المدني بتأجيلها، لا سيما قوى احتجاجات "تشرين" بدواعٍ كثيرة، أبرزها حجّة عدم توفر بيئة آمنة لإجرائها، طالما أن الدولة لم تجمع السلاح المتفلّت، كما يطالب حراك المعارضة التي أعلنت نفسها أخيراً، كمعارضة ناعمة، أنها لا تريد "إسقاط النظام الديمقراطي بل تعديله"، معترضةً على إجراء الانتخابات الآن، لأنها متيقنةٌ من احتمال تزويرها، بل هناك عدم وثوق في نتائجها، مع المطالبة بالتريّث في تنظيمها إلى حين استكمال مستلزمات تأمينها، كي لا تتكرّر تجربة العام 2018 التي وصفت بأنها مزوّرة، كما تؤكّد البيانات. وبدورها، تحرّكت قوى أخرى من أجل تأجيل هذا الاستحقاق، ومنها الحشد الشعبي الذي أصبح جيشا داخل الجيش الرسمي العراقي، يقارب تعداده مائة ألف مقاتل، يتبعون، في قرارهم، الحرس الثوري الإيراني. وحاول الكاظمي أن يهادن هذه القوة، ريثما يتمكّن من تعزيز موقعه من خلال الحصول على دعمين، محلّي وخارجي. وستكون هذه القضية بين أهم المسائل الحساسة على جدول أعمال الكاظمي، في حال فوزه بولاية ثانية، ومهما كان مفعول أوراق القوة التي سيمتلكها، ليس في نية الكاظمي مواجهة "الحشد"، بل هو يعمل على احتوائه من خلال الدولة.
ومن أهم المنافسين للكاظمي شخصيتان لا تحظيان برضىً شعبي: مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، من منظمة بدر، ومحافظ النجف السابق، عدنان الرزقي، الذي سبق أن كلفه الرئيس برهم صالح تشكيل الحكومة، قبل أن يكلف الكاظمي، ولكنه واجه اعتراضاتٍ من الحراك وأنصار إيران. وفي ظل هذا الوضع، هناك إجماع على أن أداء الكاظمي كان متوسّطا، فهو قاد حكومةً ذات مهام انتقالية، في طليعتها إجراء انتخابات مبكّرة، وهناك نجاحاتٌ تتعلق بالانفتاح الإقليمي، وإخفاقاتٌ في ميادين أخرى متصلة بالتعاطي مع الإنفاق المالي، والمحاصصة الحزبية، والمساومة السياسية على حساب المصالح الكلية للدولة، ولكن هذه الحكومة جاءت أيضا في ظل حالة انهيارٍ سبّبتها الحكومات السابقة، وخصوصا المالكي الذي يتحمّل عهده انهيار الجيش العراقي أمام "داعش" في الموصل عام 2014، وعادل عبد المهدي الذي قامت الانتفاضة الشعبية ضده.