الشباب والاغتراب السياسي
يقدّم التقرير الصادر عن معهد السياسة والمجتمع للدراسات والأبحاث ومؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية ومركز الفينيق للدراسات المعلوماتية أخيرا (حصيلة جلسات حوارية مكثّفة مع عشرات الناشطين الشباب في الأردن) قراءة مهمة لاتجاهات الشباب الأردني تجاه العمل العام والمشاركة السياسية وحجم الاغتراب السياسي الذي يشعرون به تجاه مؤسسات الدولة والسياسات الرسمية، ومن ذلك الانتخابات النيابية التي انتظمت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
نُشر التقرير من خلال كتاب بعنوان "الشباب الأردني وجدل المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية 2020"، من إعداد أحمد القضاة وعبدالله الجبور، بالعربية والإنكليزية، وتناول قضايا عديدة مهمة في ملف الشباب والعمل العام، والنتيجة الرئيسية التي تؤكّدها استطلاعات الرأي العام عموماً، والدراسات المماثلة لواقع الشباب في العالم العربي عموماً، أنّ هنالك حالة من الإحباط والاحتقان لدى الشباب، وعدم رضى تجاه الأوضاع الراهنة، سياسياً واقتصادياً، تنعكس إما من خلال سلوك المقاطعة السياسية أو ثقافة الاحتجاج في الشارع، والتي أصبحت ممارسة منتشرة بصورة واضحة منذ ثورات الربيع العربي 2011.
لا تقتصر الفجوة مع مؤسسات الدولة ولا تجاه الشكوك العميقة في جدوى المشاركة السياسية، بل أيضاً هنالك فجوة عميقة اليوم ما بين الأحزاب السياسية التقليدية، بما في ذلك القوى المعارضة وشريحة واسعة وعريضة من جيل الشباب اليوم، الذين يرون أنّ خطاب الأحزاب السياسية لا يقترب من همومهم اليومية، ولا يعكس ثقافة الجيل الجديد وطموحاته، ولا يرون في نسبة حضورهم وتمثيلهم في الأحزاب السياسية أمراً عادلاً ومنصفاً، بل يصرّح عديدون منهم بأن التعامل معهم داخل أغلب الأحزاب يتم وكأنّهم ديكور أو تجميل لواقع الأحزاب على صعيد الخطاب والقيادة والتواصل مع الشارع.
تتمثل بعض الأمور المهمة التي يسلط عليها الشباب الضوء في غياب البيئة الحاضنة لإدماج الشباب في العمل السياسي العام، وغياب البنية التحتية للتأسيس لذلك في المدارس والجامعات والإعلام ومؤسسات الدولة. وعلى الرغم من أنّ هنالك تحولاً ملحوظاً في خطاب الدولة تجاه الشباب، كما يوضّح الكتاب (في المقدمة) انعكست من خلال الاهتمام الملحوظ بقضاياهم، وتخصيص برامج لتمكين الشباب وإدماجهم، واهتمام مؤسساتٍ رسميةٍ بالعمل الشبابي بدرجة كبيرة، في محاولة للدولة للتواصل مع هذا الجيل، إلاّ أنّ المشاركين في الحوار رأوا أنّ هنالك فجوة واسعة وكبيرة بين الخطاب الرسمي المعلن والواقع الموجود، تتبدّى في عدم ترجمة هذا الخطاب عبر سياساتٍ وتشريعاتٍ وبرامج واقعية وحقيقية، لتصعيد قيادات شبابية أو تسهيل انخراط الشباب في الحياة السياسية. بدلاً من ذلك، يلاحظ مشاركون عديدون أنّ المبالغة في الحديث عن الشباب أصبحت لغة ممجوجة، وغير مقنعة لنسبة كبيرة منهم، في ظل عدم تغير الشروط والظروف الواقعية.
ويلاحظ رئيس معهد السياسة والمجتمع، جعفر حسان، أنّ الاتجاه العام للشباب يحثّ على الإصلاح والتغيير والاندماج، لكنهم لا يزالون يتلمسون الطريق إلى تحقيق ذلك عملياً. وعليه، يطالب حسّان بضرورة العمل على نقل الشباب من سياسات الشارع إلى اللعبة السياسية، الأمر الذي يحدُث من خلال إدماجهم في مؤسسات الدولة والعمل العامة، وتوفير البيئة الحاضنة لتحقيق ذلك.
وتكمن قيمة التقرير بما يتوفر عليه من رسالة الشباب تجاه الدولة بضرورة مراجعة الخطاب الرسمي والسياسات الواقعية، وتقييم مدى نجاعة السياسات واللقاءات والبرامج المطبقة حالياً ونجاحها، وبصورة خاصة بناء تصور استراتيجي في إدماج الشباب وإخراجهم من الحالة الراهنة التي تتسم بخيبة الأمل وغياب الثقة بمؤسسات الدولة وخطابها.
مثل هذه الرسالة على درجة كبيرة من الأهمية، ونحن نضع أقدامنا في العام 2021، الذي ستظهر عليه نتائج جائحة كورونا من خلال زيادة معدّلات البطالة بدرجةٍ ملموسةٍ في ظروف اقتصادية ومالية ومعيشية صعبة، وانتهاء الدور الرعوي للدولة بتوفير الوظائف، وخصوصا في المحافظات، ما يعني أنّنا أمام قوةٍ كبيرةٍ مهمةٍ وحيويةٍ تضع الدولة أمام خيارين؛ إما النظر إليها فرصة للإصلاح والتغيير والإدماج والشراكة أو تهديدا سياسيا، وربما أمنيا إذا تم اختطاف بعض الشباب من الجماعات الراديكالية!