السينمائي والمؤرخة... صديقانا البريطانيان

27 مايو 2016

كين لوتش وكاترين هول.. اسمان بريطانيان ضد إسرائيل

+ الخط -
سيكون المزاج عكراً في حفل جامعة تل أبيب، بعد غدٍ الأحد، وبحضور نتنياهو ربما، لتوزيع جائزة دان ديفيد على الفائزين الثلاثة الذين مُنحوها في فبراير/ شباط الماضي، لأن المؤرخة البريطانية الأستاذة في كلية لندن، كاترين هول، لن تكون منهم، فقد سحبت موافقتها على تسلّم الجائزة (330 ألف دولار)، بعد أن تعرّفت من "ضليعين" في السياسة على تواطؤ الجامعة المذكورة مع الاحتلال الإسرائيلي وممارساته ضد الفلسطينيين. وما سيُضاعف من سوء ذلك المزاج في الحفل أن هؤلاء "الضليعين"، على ما وصفتهم الأستاذة كاترين، في بيانٍ مقتضب، نشطاء في "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل" (BDS)، والتي انطلقت في عام 2005، وتشكّلت شبكاتٌ عالميةٌ متصلةٌ بها، تعلقت إحداها بالمقاطعة الأكاديمية لجامعات إسرائيل، وهذه اعتبرها رئيس دولة الاحتلال، رؤوفين ريفلين، خطراً بالغاً. 

توصف الجائزة المتحدّث عنها بأنها رفيعة، أطلقها في 2002 رجل أعمالٍ صهيوني، فحملت اسمه، وتُعطى في اختصاصات الماضي والحاضر والمستقبل لثلاثة فائزين، تكريماً لتميّز أبحاثهم، وقد قبلت البريطانية المختصة بتاريخ الاستعمار، كاترين هول، هذا التكريم، قبل أن تتواصل معها حركة مقاطعة إسرائيل، فتقتنع بما يقوله ناسُها، ثم أعلنت قرارها الجديد الذي أذاعت أنه جاء "خياراً سياسياً مستقلاً". ولمداراة هذه الصفعة (مفردة تقليدية، لكنها في محلها هنا)، عمدت جامعة تل أبيب إلى توزيع المبلغ الذي لفظته الأستاذة هول هباتٍ ومنحاً لطلابٍ يدرسون التاريخ.
المستفادُ من بادرة صديقتنا البريطانية المستجدّة أن ثمّة حيزاً أخلاقياً وإنسانياً باقٍ في العالم، وفي الوسع أن يتمّ الانتباه إليه، والإفادة الجديّة من ممكناته، في مواجهتنا الواجبة، نحن العرب، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وهذه معركةُ حركة المقاطعة العالمية تحقّق نجاحاتٍ متواليةً تدلّ على ذلك، وجاء شديدَ الحدّة أن التنغيص الموجِع الذي أحدثته الأستاذة كاترين هول لأركان الاحتلال، ويافطاتِه الجامعية والأكاديمية، توازى، في وقتٍ واحدٍ تقريباً، مع إعلان المخرج السينمائي البريطاني، كين لوتش (80 عاماً)، في تظاهرةٍ سينمائيةٍ فلسطينيةٍ في باريس، دعوته مجدّداً إلى مقاطعة إسرائيل، بل وطالب بأن "نعمل، نحن كمدنيين، كل ما في وسعنا، من أجل ذلك، فليس هناك سلطة دولية في العالم تعمل من أجل إعادة حقوق الشعب الفلسطيني". وقد تأَلق لوتش بصراحته الظاهرة هذه، بعد يومٍ من احتفاء الأضواء به، لنيله جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلمه الجديد "أنا دانييل بليك".
يرفض صديقنا البريطاني العتيق عرض أفلامه في مهرجاناتٍ إسرائيلية، وكان واحداً من ستمئة فنانٍ ومثقفٍ وأستاذٍ جامعي وقّعوا، العام الماضي، على بيانٍ يدعو إلى مقاطعة إسرائيل التي حافظ دائماً على رفضه عنصريّتها، انسجاماً مع خياره الذي يقيم عليه في مناوأة كل توحّش، ومع ميله إلى اليسار الاجتماعي الذي يحضر في أفلامه، ومنها جديده في "كان" أخيراً. وقد أغاظ نيلُه الجائزة الأهم في هذا الموسم السينمائي العالمي إسرائيل وأنصارها (في فرنسا خصوصاً). ولنا، نحن العرب، لا سيما من يوازون عداء إسرائيل مع مناهضة الاستبداد، أن نغتبط بهذا كله، غير أن من الأنفع أن نلتفتَ إلى أهمية الخطاب العلمي في تظهير إسرائيل كياناً غير أخلاقي، الأمر الذي لا يتأتّى من دون جهودٍ تنهض بها نخبٌ ذات كفاءةٍ واقتدارٍ في منابر الغرب العديدة، وعلى غير صعيد وفي غير شأن.
يشتغل صديقانا البريطانيان، كاترين هول وكين لوتش، في التاريخ والسينما، أي في الوقائع والخيال، في العقل والحدس، في البعيد والراهن، غير أنهما، في هذا كله وغيره، معنيّان، بطبيعة الحال، بالحقيقة والجمال. وفي وسع أي مؤرخ، كما أي سينمائي، أن يدلّس، ويبتدع الزيف الذي يريد، ومثل هذا النوع من كتّاب التاريخ هو ما تأنس له إسرائيل. ولكن، خاب ظنها في صديقتنا البريطانية كاترين هول التي نرميها، هنا، بوردٍ غزير، كما مواطنها كين لوتش أيضاً.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.