السيسي كما رآه "عاشق مصر"
"مؤسسة دموية"، ارتكبت مجزرة في مواجهة مظاهرة سلمية ("ماسبيرو"، أكتوبر/ تشرين الأول 2011).. "عنصرية"، مع بدو سيناء والأقباط، إمبراطورية، ودولة ضمن الدولة، يتمتّع قادتها بامتيازات استثنائية، رواتبهم يحدّدها وزير الدفاع، موازنتهم لا يراقبها البرلمان، يمتلكون مزارع ومصانع ومؤسسات أشغال عامة وشركات فندقية ووقود، ويسيطرون على مساحات شاسعة من السواحل والصحراء بذريعة الأمن الوطني.
هكذا، (باختصار من الكاتب)، يصوّر روبير سوليه المؤسسة العسكرية في مصر. ويضع عباراته في سياقات مراوغة، ويترك "أحكام القيمة" للقارئ. يأتي كلام سوليه عن "الجيش" في سياق تقديمه عبد الفتاح السيسي، (من أين جاء؟)، كما يأتي الكلام عن السيسي في الفصل الأخير من كتاب سوليه "وجوه مصر الحديثة" (ترجمة أدونيس سالم، هاشيت أنطوان، بيروت، 2020) يتحدّث فيه عن تاريخ مصر الحديث من خلال عشرين شخصية أدّت دوراً بارزاً، هم محمد علي وإسماعيل باشا وسعد زغلول وهدى شعراوي وجمال عبد الناصر، وأم كلثوم وأنور السادات وحسني مبارك ونجيب محفوظ والسيسي.
روبير سوليه، صحافي وروائي ومؤرخ، ولد في مصر عام 1946، وعاش فيها طفولته وشبابه، درس في "الليسيه فرانسيه"، حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر إلى فرنسا في السابعة عشرة، ليدرس الصحافة والأدب الفرنسي في "الجيزويت"، وعمل في صحيفة لوموند الفرنسية، ورأس القسم الثقافي فيها. تشغله مصر، ويُصدر عنها كتابات في التاريخ والسياسة، وحتى الرواية. تهتم به الدولة المصرية، وتترجم كتبه، وتصدرها في طبعات شعبية في هيئاتها ومؤسساتها الثقافية، أشهرها: "مصر ولع فرنسي" طبعة مكتبة الأسرة، و"علماء بونابارت في مصر" طبعة الهيئة العامة للكتاب، و"قاموس عاشق مصر" طبعة المركز القومي للترجمة، وغيرها.
يظهر السيسي، للمرة الأولى، على سطور سوليه بوصفه "المسؤول" عن جريمة "كشوف العذرية" منتصف مارس/ آذار 2011، بحق فتيات مصريات، سبع عشرة، تظاهرن في ميدان التحرير، واعتقلهن الجيش، من بين خمسمائة آخرين، وبرّر السيسي هذه الفضيحة أمام مؤسسات دولية بأنّه كان يحاول نفي تهمة الاغتصاب عن الجنود.
جاء محمد مرسي، الذي يراه سوليه "شخصية باهتة ومملّة" رئيساً لمصر، أزاح وزير الدفاع حسين طنطاوي، وجاء بالسيسي، وبدا الأخير غامضاً، صامتاً، وتردّد أنّه تقيٌ محافظ، تدلّ إلى ذلك "زبيبة صلاة" على جبينه، وسُمعة سابقة بأنّه كان إمامًا للصلاة في مسجد كارلايل في بنسلفانيا، وشغل منصب إمام في مخيم للجيش الأميركي في فورت بينينغ في جورجيا، وقال أشد المراقبين قلقاً، وفق سوليه، إنّ الحدود غير واضحة، في شخصية السيسي، بين المسلم المحافظ... و"الإسلامي"!
يبدو سوليه أكثر تحرّراً من صياغاته المراوغة، وهو يصف أداءات السيسي مع مرسي، فهو يشير، بوضوح، إلى تعمّد الجيش عدم احترام قرار مرسي، يناير/ كانون الثاني 2013، بحظر التجول شهراً في مدن بورسعيد والسويس والإسماعيلية، إثر أعمال عنف، وانتشار فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لجنودٍ يلعبون كرة القدم مع السكان خلال فترة الحظر. ويتهم سوليه الجيش بأنّه كان وراء ارتفاع وتيرة انقطاع الكهرباء واختفاء الوقود، وبأنّه لم يحرّك ساكناً في مواجهة حركة "تمرّد" التي طالبت بعزل مرسي. يتبنّى سوليه سردية "الإعداد المسبق" لمشهد 3 يوليو (تموز 2013)، ليس على طريقة إعلام الإخوان المسلمين الذي روّج أنّ أعداد المتظاهرين ضد مرسي لم تكن كبيرة، وأنّ كاميرا المخرج خالد يوسف هي التي أوحت بذلك. يقرّ سوليه بأنّ الأعداد كانت بالملايين، لكنّه يرى أنّ ما حدث كان انقلاباً تكفّل "الإخراج المتقن" بإظهاره "ثورة ثانية".
يشير سوليه إلى حالة الهوس الشعبي بالسيسي، بوصفه "المنقذ من الإخوان". ويبدو ساخراً وهو يصف عدلي منصور بالرجل "طيب القلب" الذي أدرك الجميع أنّه ليس الرجل الأساسي. ويصل إلى محطة الانتخابات التي جاءت بالسيسي، فيراها "محرجة" لم تحظَ بالجماهيرية، لمقاطعة "الإخوان" لها. ويصف السيسي، بعد فوزه، بالمشير الرئيس ذي النظارة الشمسية التي تجعله شبيهاً بديكتاتور من أميركا الجنوبية، ويصف نتيجة الانتخابات (فوز السيسي بنسبة 96.2%) بأنّها تليق بجمهوريات الموز.