الزلزال فرصة سياسية
يجب أن تحصل كارثة طبيعية مثل الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في السادس من فبراير/ شباط الجاري، كي يحسّ السوريون بمقدار الوجع، ويفتحوا عيونهم على حقيقة ما هم فيه. لقد أصابتهم على نحو مضاعفٍ كل الكوارث التي شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير، ولم يتزحزح وضعهم، بل هو يسير إلى الوراء. لا تكفي الضربات اليومية التي تنهال عليهم كي يشعروا بالألم، لقد تعوّدوا هذه الحالة المأساوية، وتعلّموا التعايش مع التراجيديا، تلقّوا براميل رئيس النظام بشّار الأسد والأسلحة الكيميائية ودمار حلب وحمص وحماة ودير الزور والرقّة ودرعا وإدلب، وهناك ضربات أخرى. ومع كل ضربةٍ يعدون من الصفر، ولم يعد يفرق معهم إذا نزلوا درجة أخرى في الكوارث، طبيعية كانت أم غير طبيعية.
وفي كل مرّة يواجهون موقفا صعبا يفتحون مجالس عزاء من أجل شكوى الحال، وشتم رئيس النظام بشّار الأسد والروس والإيرانيين، وينتقدون التقصير الدولي والعربي والتمييز والكيل بمكيالين، ولا يتركون مظلمةً إلا ويرفعونها، ولكنهم عاجزون عمّا يجب أن يقوموا به. يضعون أنفسهم في موقع الضحية ويكتفون بذلك، ولا يفتحون دفاترهم المختومة بالشمع الأحمر، التي تغطّي على أسباب الهزائم السياسية والعسكرية التي لحقت بالثورة السورية. ينعون ضعفهم وتقصير العالم عن مساعدتهم، وهذا أمرٌ لا جدال فيه، إلا أنهم لا يواجهون الواقع كما هو، ومن ذلك الجيوش العاطلة من العمل في المناطق التي يسمونها "المحرّرة"، وهي فصائل عسكرية لو كان قرارها بيدها، لما صعُب عليها فتح معارك عسكرية تعيد وضع المسألة السورية في نصابها، وتُجبر الأسد وحلفاءه على الدخول في مفاوضات جادّة من أجل حل نهائي لسورية.
ويستدعي الأمر أيضا توافق الحكومتين اللتين تسيطران على "المحرّرة"، وهما الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في إسطنبول، وهي حكومة لا حول لها ولا قوة، ولا حضور مميّزا لها، وتعد أصدق تعبير عن العجز الذي أصاب الجسم السياسي للمعارضة، الذي تشكّل من أجل هدف لم يعد موجودا، وتحوّل إلى عنوان في إسطنبول للتغطية على الفشل وتبرير السياسات الدولية، وصار إعلان وفاته واجبا. أما الحكومة الثانية فهي تحمل اسم "حكومة الإنقاذ" التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) بقيادة أبو محمد الجولاني، وهي تشكل مظهرا من مظاهر التدهور السوري، وغير أنها تكتم أنفاس الناس الذين يعيشون تحت ادارتها، فهي في نظر العالم بؤرة للتطرّف، وهي، في جميع الأحوال، تثير لدى السوريين نفورا بالقدر الذي تحاول فيه أن تبيّض صفحتها أمام المجتمع الدولي، من خلال التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومطاردة "داعش" والمتطرّفين من "القاعدة". ويجب ألا ننسى أن ثلث سورية تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية"، تحت اسم "الإدارة الذاتية"، بدعم أميركي تحت ذريعة الحرب على "داعش". وقد ظهر خلال كارثة الزلزال أن الحدود بين هذا الجزء من سورية أقوى منها بين مناطق النفوذ الأخرى.
وحتى لا نقع في السوداوية المطلقة، لا بد من الإشارة إلى ظواهر إيجابية تستحق التثمين والأخذ بها مثلا على ما يجب أن يقوم به السوريون من أجل إصلاح أحوالهم، ومنها منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التي أدت دورا مهما في مواجهة كارثة الزلزال، ولولا وجودها لكانت الأضرار أضعافا مضاعفة. وقد شهد كل السوريين الذين أصابتهم المأساة أن وجودها كان العون الوحيد المادي والمعنوي. وما تقوم به هذه المنظمة ليس مستحيلا، بل هو أمر عادي في ظروف استثنائية، إذا توفرت إرادة صادقة، وهذه هي كلمة السر وراء نجاح الدفاع المدني الذي يجب أن يتمسّك به السوريون، ويعزّزوه ويبنوا عليه وينسجوا على غراره مؤسّسات تعيد تأسيس وضع سوري جديد في الشتات والداخل.