الزلزال عندما يفاقم كارثة السوريين
الزلزال المدمر، الذي ضرب عدة ولايات في جنوبي تركيا صباح الاثنين الماضي، ضرب أيضاً عدة محافظات في سورية، وتسبّب في فقدان أرواح آلاف الأتراك والسوريين، إضافة إلى الخراب الهائل الذي أصاب عشرات آلاف المساكن والمرافق العامة والخاصة في مناطق كانت مأهولةً بكثافة، وحوّلها الزلزال إلى مناطق منكوبة، ينتظر فيها الناس أن تُمدّ لهم يُد العون والمساعدة، المحلية والدولية، وذلك بعد أن فقد قسم كبير منازلهم وأماكن أرزاقهم، إذ أعلن وزير التطوير العمراني في تركيا، مراد كوروم، أن الزلزال أضرّ بصورة مباشرة بـ 13.5 مليون مواطن تركي، بينما تفيد تقديرات بأنه أضرّ بأكثر من ثلاثة ملايين سوري، خصوصا في شمال غربي سورية، وفاقم وضعهم الإنساني، بعد أن باتوا مشرّدين بلا مأوى، يصارعون من أجل البقاء في ظروفٍ جوية قاسية، نتيجة العاصفة الثلجية والمطرية الباردة جداً، التي تشهدها مناطقهم منذ أيام.
في الجانب التركي، استنفرت الحكومة فور وقوع الزلزال، وسارعت إلى تسخير إمكانات الدولة التركية وقدراتها، بما فيها وزارة الدفاع التي أرسلت فرقاً متخصّصة تضم آلاف الجنود، للمساعدة في التعامل مع آثاره وتداعياته، حيث لم تتأخّر فرق الإنقاذ المتخصّصة في الوصول إلى مناطق متضرّرة عديدة، وشرعت في العمل على إنقاذ الأحياء، وإسعاف الجرحى والمصابين، وانتشال الضحايا، فيما سافر معظم المسؤولين الحكوميين والحزبيين، بمن فيهم قادة أحزاب المعارضة، إلى المناطق المنكوبة، بغية تفقّد المناطق المتضرّرة، والإشراف على عمليات التعامل مع الكارثة.
جاء الزلزال كي يدمّر منازل أنهكتها غارات البراميل المتفجرة، أو التي بُنيت على عجل كي تستوعب مئات آلاف المهجرين قسرياً
وفي سورية، أضحت الكارثة مضاعفة، إذ لا توجد دولة ذات مؤسّسات متخصّصة، بل سلطات أمر واقع، لا تملك إمكانات ولا وسائل إنقاذ، ولم يكن في حسبانها التعامل مع أي كارثةٍ طبيعية تصيب الناس في مناطق سيطرتها. لذلك تركوهم لقدرهم تحت الأنقاض أو في العراء. واقتصر الأمر، في المناطق الخارجة على سيطرة النظام على جهود بعض الأهالي الذين نجوا من الزلزال، إلى جانب جهود فرق الدفاع المدني محدودة القدرات والإمكانات، كونها لا تملك معدّات تنقيب وبحث عن الأحياء، ولا مواد إغاثية أو طبية، وليس لديها فرق مدرّبة على التعامل مع الكوارث الطبيعية، إذ كانت تتعامل، طوال السنوات الماضية، مع تداعيات هجمات قوات نظام الأسد، والمليشيات الطائفية الإيرانية، وقصف طيران النظام الروسي. كما أن المناطق الخارجة على سيطرة نظام الأسد تفتقر إلى الموارد والمرافق اللازمة، وتتّسم بناها التحتية والخدمية بالضعف والهشاشة، بالنظر إلى أن الهجمات والغارات التي شنّتها قوات النظامين، السوري والروسي، على تلك المناطق، كانت تطاول على وجه الخصوص الأماكن السكنية والأسواق والمدارس والمستشفيات ومحطّات المياه والكهرباء. وبالتالي، جاء الزلزال كي يدمّر منازل أنهكتها غارات البراميل المتفجّرة، أو التي بُنيت على عجل كي تستوعب مئات آلاف المهجّرين قسرياً.
لا يختلف الوضع كثيراً في مناطق سيطرة نظام الأسد، وخصوصا في محافظتي حلب واللاذقية، لأن هذا النظام لا يكترث بما يصيب السوريين من كوارث طبيعية، تُضاف إلى الكارثة الكبرى التي سبّبها لهم، فهو غير معني بتقديم يد العون لهم، وكان مشغولاً منذ عام 2011 بالتدمير الممنهج لأغلب المناطق المدنية في سورية، وتهجير سكّانها، واقتياد مئات آلاف السوريين إلى زنازين وأقبية أجهزة مخابراته ومعتقلاته وسجونه، وتعذيبهم وتصفيتهم داخلها، وحرمان ذويهم من استلام جثثهم. وبالتالي، لا يعنيه ما يسبّبه الزلزال للسوريين، وأكثر ما يهمه يتمحور في كيفية استغلال كارثة الزلزال من أجل استثمارها، بوصفها فرصةً من أجل تلميع صورته، وتحميل دول الغرب مسؤولية الوضع الكارثي بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية عليه، وخصوصا التي ينصّ عليها قانون قيصر. وكعادته، سيلجأ النظام إلى الاستيلاء على المساعدات الإغاثية والطبية، التي سترسلها دول عربية وغربية ومنظمّات دولية، ويعلم الجميع أنها لن تصل إلى المتضرّرين من الزلزال، إلا في حال تولّت هيئات ومنظمات دولية مهمة إيصالها، وهو أمرٌ لا يوافق عليه نظام الأسد، ولن يسمح به.
الكارثة في سورية مضاعفة، إذ لا توجد دولة ذات مؤسّسات متخصّصة، بل سلطات أمر واقع، لا تملك إمكانات ولا وسائل إنقاذ
لا تصمد ادّعاءات نظام الأسد أمام الواقع المرّ الذي يعيشه معظم السوريين أينما كانوا، فهو المسؤول عن وضعهم الكارثي. وعلى العكس مما تدّعي أبواقه الإعلامية، لا تستهدف العقوبات الأوروبية والأميركية المساعدات الإنسانية، إذ لا أحد يعترض على أي دولة، أو منظمّة، تريد إرسال الأغذية والأدوية ومواد الإغاثة إلى السوريين المنكوبين. كما أن لا أحد يعترض على إرسال فرق إنقاذ إلى كل المناطق المتضرّرة. المشكلة التي قد تعترض إيصال المساعدات إلى الشمال السوري هي في أن معبراً واحداً فقط مخصّص لإدخالها حسب قرار مجلس الأمن رقم 2671. ولذلك ثمّة وجاهة في الدعوات الدولية المطالبة بفتح كل المعابر الحدودية بين تركيا وسورية لدخول فرق الإنقاذ والمساعدات إلى الشمال السوري، وهو أمرٌ لن توافق عليه روسيا، كونها كانت وراء إغلاق باقي المعابر. وعلى الرغم من أن روسيا أبدت استعدادها لتقديم مساعداتٍ إلى السوريين، لكن ذلك لن يدفعها إلى الموافقة على فتح جميع المعابر الحدودية، من أجل إدخال المساعدات الإغاثية في أسرع وقت ممكن، وتسهيل وصول فرق الإنقاذ الدولية، فالتجارب السابقة أثبتت أنها تحاول باستمرار منع وصول المساعدات إلى مناطق الشمال السوري، بل قصفت قاذفاتها ومقاتلاتها قوافل المساعدات الأممية في أكثر من مرّة.
المفارقة أن رؤساء وقادة بعض الدول العربية سارعوا إلى الاتصال ببشار الأسد وتعزيته، بالرغم من أنهم يعون جيداً أنه المتسبّب في كل الكوارث التي ألمّت بسورية والسوريين. كما أنهم لم ينتظروا موافقة أحد عندما أرسلوا المساعدات الطبّية والإغاثية إلى سلطات نظامه. كان عليهم تعزية الشعب السوري، وتقديم المساعدات إلى المتضرّرين في كل مناطق سورية، وخصوصا في الشمال الغربي، وألا يرسلوها إلى نظامٍ لن يتوانى عن استغلالها، من أجل المضي في قتل مزيد من السوريين.