الرواية الخليجيّة وهذا النقاش

23 يناير 2024

(عبد الرحمن السليمان)

+ الخط -

تضمّنت مؤتمراتٌ نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، منذ قام في عام 2010، بحوثاً ودراسات، قليلة العدد، قاربت أسئلتَها وأطروحاتِها، في شؤونٍ سياسيةٍ واجتماعية، عربية، بدرسِ مضامين أعمالٍ أدبية، سرديةٍ غالباً، واستكشاف مُرسلاتِها ومنظوراتها، للإضاءة على تحوّلاتٍ اجتماعية، أو كيفيّات التمثّل الثقافي عند النخب العربية لهذه التحوّلات وما يتّصل بها، غير أن أيّاً من تلك المؤتمرات لم يتعلّق بشأنٍ أدبيٍّ محض، أو بشأن سرودٍ أدبية، فحضرت تلك الدراسات والأوراق من باب تنويع المقاربات والاجتهادات في قراءة المسائل المطروحة في مُداولات المؤتمرين والمشاركين. وهذا طبيعيٌّ، بالنظر إلى تعريف المركز العربي نفسَه، وإلى مشاغله التي اعتاد عليها أهلُ الأكاديميا والبحث والمعرفة، فهو "مؤسّسةٌ بحثيةٌ فكريةٌ مستقلّة، مختصةٌ بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، في جوانبها النظرية والتطبيقية". الأمر الذي انسَحب على أعمال وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية فيه، فهي "متخصّصةٌ في العلوم الإنسانية والاجتماعية، في جوانبها النظرية والتطبيقية، تسعى إلى إنتاج معرفةٍ موضوعيةٍ في منطقة الخليج والجزيرة العربية ومجتمعاتها". 
يجري التذكير بهذا المعطى المعلوم للتأشير إلى ما قد يعدّ، ببعض التحرّز، "خرْقاً" له عوين السبت والأحد الماضيين، في تنظيم وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية ندوة "الرواية الخليجية... السوسيولوجيا الموازية"، فقد جمعت جلساتُها الستّ نخبة من دارسي الأدب ودارساته، ومن الروائيات والروائيين، من دون مشاركة أيِّ باحثٍ في الاجتماع والعلوم السياسية والدراسات الثقافية، وهذا حدثٌ أولٌ من نوعه في المركز العربي. وكانت مفاجأةً طيّبةُ لصاحب هذه الكلمات أن يكتشف في رئيس الوحدة الصديق حيدر سعيد، سعة قراءاته في الرواية الخليجية (والعربية عموماً)، وهو الباحث المجدّ في غير شأنٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ عربي، فقد دلّت مشاركاتُه في النقاشات على درايته ليس فقط بمضامين أعمالٍ روائيةٍ خليجيةٍ غير قليلة، بل أيضاً بخياراتها الجماليّة وبناءاتها السردية. وقد ألحّ على تذكير المشاركين بأن السوسيولوجيا (الموازية) هي موضوع الندوة، كما تمثّلتها النصوصُ الروائية في هذه الدول، وليس "أدبيّة" هذه النصوص، ومن التعسّف أن يغفَل دارس مضامين أي نصٍّ إبداعي عن شكله ولغته ومساحات المتخيّل فيه، فهو، في المبتدأ والمنتهى، ليس وثيقةً تاريخيةً ولا مقالاً ولا بحثاً، وإنما مقترحٌ جماليٌّ ينبني على المتخيّل الذي قد يلتقي مع الواقع أو لا يلتقي. وقد شدّدت على هذه المسلّمة مشاركات الروائيات والروائيين (يوسف المحيميد، محمّد اليحيائي، طالب الرفاعي، صالحة عبيد، أحمد عبد الملك، أميمة الخميس، بشرى خلفان، زهران القاسمي) في الطاولة المستديرة (بإدارة حيدر سعيد) في ختام الندوة. وجاءت المناقشات، بمشاركة باحثين وباحثاتٍ من ضيوف الندوة من كل دول الخليج (والقاصّ والروائي والأستاذ الجامعي العراقي لؤي حمزة عبّاس) مهمّة في التأشير إلى إشكالاتٍ تمثل قضايا عدّة في المجتمعات الخليجية في النص الروائي، وجيء على ما قد تعدُّ تابوهاتٍ ومحرّماتٍ اقتربت منها بعضُ الأعمال، غير أنها ظلّت في مدار "مخاوف" الكاتب في الخليج.
تؤكّد الندوة، إذ يعقدها مركز بحثٍ ودراساتٍ، نشطٍ في حضوره ومُنجزه، معنيٍّ بقضايا الاجتماع والسياسة والفكر، ما ظلّ يقولُه دارسون للأدب ونقّاده، خصوصا ممن ناهضَهم أهل البنيويات الشكلانية، عن حُمولات الأدب ومُرسلاته، بحسبانِه من التعبيرات الثقافية عن أحوالٍ وحقائق ومتغيّرات اجتماعية وعامّة، وإنْ كلّ نصٍّ أدبيٍّ تعبيرٌ عن ذات كاتبه وفردانيّتها. وكانت أوراق الندوة (تصدُر في كتابٍ لاحقاً) وفيةً لهذا المنظور، وأثارت مداولاتٍ تناقش فيها أصحابُها بحريةٍ ظاهرة، فحضر ماضي الخليج وراهنُه، قبل النفط وبعده، مع تبايناتٍ على مستوى التراكم والإضافة والتجديد في المنتج الروائي، عندما نعرف أن أولى الروايات في العربية السعودية صدرت في الثلاثينيات، وأولى الروايات في قطر صدرت في 1993، وفي الأثناء، كانت مهمّةً إشارة الأكاديمي السعودي، سعد البازعي، إلى شحّ الروايات الخليجية التي انشغلت بحقبة اكتشاف النفط.
كانت الندوة مناسبةً نادرةً لاجتماع كتّابٍ وكاتبات أدبٍ ونقدٍ من كل دول الخليج (والعراق) في الدوحة، حسن مدن من البحرين، ومحسن جاسم الموسوي من العراق، وزينب الياسي من الإمارات، ومعجب العدواني وميساء الخواجة من السعودية، وغيرهم وغيرهن، ومناسبةً لاشتباكٍ متجدّدٍ بين أسئلة الأدب والاجتماع... في الخليج هذه المرّة.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.