الرئيس "شبه المرشّح"

06 فبراير 2022

ماكرون في مؤتمر صحفي في برلين (25/1/2022/Getty)

+ الخط -

لم يعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن ترشّحه بعد لولاية رئاسية ثانية، والتي ستجري انتخاباتها في دورتها الأولى في العاشر من شهر أبريل/ نيسان المقبل. ومع انتقاد غالبية المرشّحين المُعلنين لهذا التأخير حيث لم يتبق على الموعد ستون يوماً تقريباً، إلا أنّه ليس استثنائياً في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. وقد سبق ماكرون رؤساء سابقين فضّلوا هم أيضاً، بدرجات متفاوتة، الانتظار حتى موعد قريب من انتهاء إمكانية الترشّح ليُعلنوا عن ذلك. حيث ترشّح خمسةٌ من أصل ثمانية رؤساء لولاية ثانية، وهم على التوالي: شارل ديغول سنة 1965 الذي أعلن عن ترشّحه قبل 31 يوما من موعد الانتخابات، وفاليري جيسكار ديستان سنة 1981 بإعلان ترشّحه قبل 55 يوما من الموعد، وفرانسوا ميتران سنة 1988 الذي انتظر حتى 33 يوما من الموعد ليُعلن ترشّحه. أما جاك شيراك سنة 2002 ونيكولا ساركوزي سنة 2012، فقد كان إعلانهما عن ترشّحهما سنتي 2002 و2012 على التوالي هو الأبعد عن تاريخ الدورة الأولى حيث بلغ 69 يوما للأول و67 يوما للثاني. كما أن الجمهورية الخامسة عرفت الرئيس جورج بومبيدو الذي توفي في أثناء ولايته الأولى سنة 1974 وفرانسوا هولاند الذي لم يترشّح لولاية ثانية سنة 2017 مفسحاً المجال لوزير الاقتصاد في حكومته، إيمانويل ماكرون، للترشّح والفوز بولايته الأولى.

يعمَدُ الرئيس "شبه" المرشّح إلى الاستفادة من فترة الانتظار هذه لكي يُراقب حملات منافسيه عن قرب من دون الحاجة لمناظرتهم إعلامياً

ويعود هذا الخيار الرئاسي إلى أسباب مختلفة، أهمها رغبة الرئيس القائم على عمله في الاستفادة من موقعه الرئاسي حتى اللحظات الأخيرة في القيام بحملة انتخابية غير رسمية بحيث يقوم بنشاطات المرشح وهو ليس بالمرشح بعد، مستفيداً من موقعه كرئيس للجمهورية ما يُتيح له العديد من الفرص المناسبة لكي يُروّج لإعادة انتخابه دون أن يُعلن عن ذلك بصراحة. إضافة إلى ذلك، يعمَدُ الرئيس "شبه" المرشح إلى الاستفادة من فترة الانتظار هذه لكي يُراقب حملات منافسيه عن قرب دون الحاجة لمناظرتهم إعلامياً بشكل مباشر أو غير مباشر حتى تحين الساعة التي يراها مناسبة سياسياً وشعبياً للانقضاض على الملف الرئاسي. كما يدّعي بعض الرؤساء عموماً، ومنهم إيمانويل ماكرون خصوصاً، على لسانه وعلى لسان مقربين منه، بأنه منهمك في مهام الرئاسة الجسيمة وشجونها لدرجة الوصول الى حد نكران الذات. وبالتالي، فهو يتناسى أو يُهمل ضرورة البدء في الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة لتفضيله شؤون البلاد على مصلحته الشخصية أو مصلحة حزبه. ولا يخفى على أحد، وفي مقدمتهم الرئيس المعني، أن هذه الحجة الأخيرة لا تنطلي إلا على قلّة قليلة من السذّج من الناخبين.

من جهتها، تشنّ أحزاب المعارضة من اليمين الجمهوري واليمينين المتطرّف وشديد التطرّف، واليسارين التقليدي والمتطرّف، حملة انتقاد حادّة ضد تأخير ماكرون الإعلان عن ترشّحه، متهمة إياه باستغلال منصبه الرئاسي للقيام بحملة انتخابية غير رسمية. كما وصلت الاتهامات إلى درجة الإشارة إلى أن الرئيس الحالي يُسيء الائتمان على الأموال العامة وأموال دافعي الضرائب، بحيث أنه يستخدمها لصالح حملته بحجج تعتبرها أحزاب المعارضة واهية، وهي التي تتعلق بزياراته المتتالية لعموم الأراضي الفرنسية لمتابعة قضايا الناس واللقاء مع فئات الشعب المختلفة بصفته الرئاسية وليست الانتخابية. وقد سبق وطالب الحزب الاشتراكي من الرئيس السابق ساركوزي سنة 2011 في أثناء التحضير للحملة الانتخابية حينها بتسديد ما صُرف على نشاطاته الرئاسية التي اعتبرت انتخابية أو ضم قيمتها إلى المبلغ المخصّص لكل مرشّح والمُصرّح عنه رسمياً.

تتهم أحزاب المعارضة ماكرون باستغلال منصبه الرئاسي للقيام بحملة انتخابية غير رسمية

كمن سبقه من رؤساء "مرشحين" لولاية ثانية، لا يُعير الرئيس ماكرون أي اهتمام يذكر لهذه الانتقادات. وهو يتابع حملته "الانتخابية" بنشاطاتٍ مكثّفة على الصعيد المحلي الداخلي، كما الدبلوماسي الخارجي. وبناءً على ما جمعه فريقه من ملاحظات، يُحاول منافسوه الكثر هذا العام أن يثيروها بشأن أدائه في أثناء السنوات الماضية، فقد انتبه إلى أنّ حجماً هاماً منها ينصبُّ على ضعف أداء الدبلوماسية الفرنسية في الملفات الكبرى، وخصوصاً فيما يخصّ العلاقة مع الولايات المتحدة التي يراها منافسوه علاقة تبعية أكثر منها نديّة.

يواجه ماكرون، في نهاية ولايته الأولى، ملفين خارجيين ملتهبين: الأول أفريقي، حيث يتراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في بعض بلدان جنوب الصحراء تحت ضربات التوسّع الروسي والنفوذ الصيني. وكان طرد السفير الفرنسي من مالي الأسبوع الماضي من مؤشّراتها القوية. الملف الثاني يرتبط بالعلاقات مع روسيا، والتي يجتمع اليسار كما اليمين الفرنسي، بأنواعهما المختلفة، على أن باريس ابتعدت عن موسكو استجابة لرغبات المواجهة الأميركية مع قيصر الكرملين. وعلى الرغم من ضعف حجج المنتقدين، حيث خصّ ماكرون الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستقبال "ملكي" في قصر فيرساي لم يُتح لسواه من قادة العالم حين توليه الرئاسة سنة 2017، كما استضافه عائلياً بشكل نادر في منتجعه الصيفي بعدها بسنة، مراهناً على مقدرته الإقناعية في اجتذاب القيصر، إلا أن ماكرون سيهرع غداً إلى موسكو وكييف ساعياً إلى وساطة، ليس لفرنسا أي ثقلٍ مؤثر فيها، ليُسجل بعض التقدم على سلّم استطلاعات الرأي الانتخابية الرئاسية ليس إلا، بصفته "شبه مرشّح" حتى الساعة.