الخطر الداهم بيننا
وفقاً لتصريحات وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني، ناصر الشريدة، خلال لقائه اللجنة المالية لمجلس النواب، قبل أيام، وصلت نسبة البطالة بين الشباب الأردني إلى 48%، وهو معدّل غير مسبوق، ويتجاوز التحذير من أنّه يمثّل جرس إنذار إلى الدخول عملياً في مرحلة خطيرة تستدعي إعلان خطة إنقاذ فورية واقعية، وإلا فإنّ الخطر القادم من القاع يمثل تهديداً مجتمعياً، ثقافياً وسياسياً كذلك.
الهاجس قديم – جديد، ومنذ أعوام والدولة تراقب بقلق شديد الارتفاع في مستويات البطالة، وتضع الخطط والأفكار والتصوّرات لمعالجة ذلك، لكن المشكلة تكمن أولاً في أنّ الظروف الاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، ما يؤثر على معدل النمو، وينعكس بدوره على معدّلات البطالة تلقائياً. وثانياً في أنّه لا توجد خطة وطنية توافقية تكاملية عابرة للحكومات، فكلما جاءت حكومة بخطة تأتي التالية لتبدأ من جديد، بينما معدّلات البطالة تستمر في الارتفاع والتصاعد!
حاولت حكوماتٌ سابقة تقديم وصفات؛ منها ما يتعلق بخدمة العلم (مشروع يبرز ويختفي بصورة غير مفهومة) في محاولة لتأجيل المشكلة وتخفيفها، وربما إدماج التعليم المهني بالمشروع، ومنها ما يتعلق بتنشيط المشروعات الريادية (لكنّها تمثل حلاَ جزئياً لا يتجاوز 10%) في حال نجح بصورة فاعلة. وهكذا فإنّ هنالك عدم وجود تصوّر راسخ لدى الدولة لإطار المشكلة ولاستراتيجيات الحل وسيناريوهاته، بل لا توجد وثيقة معلنة واضحة في هذا السياق!
في الأثناء، بدأت خطّة تمكين الشباب سياسياً تأخذ مساحة واسعة من اهتمام الدولة، وهنالك جهود مكثفة لترجمة ذلك على أرض الواقع، لكن العقبة الرئيسة التي تواجه هذا المشروع الوطني الطموح تكمن في معدلات البطالة وأولويتها لدى جيل الشباب، على الرغم من أنّ التشابك بين التمكين السياسي والاقتصادي عميق، وإيجاد حلول لمشكلات الشباب الاقتصادية يتطلب، بالضرورة، توسيع مشاركتهم في صنع القرار وتقديم (واقتراح) البرامج والبدائل التي تتناسب مع الجيل الجديد والتحولات في فرص العمل وأسواقه، إلا أنّ التربيط بين المجالين، السياسي والاقتصادي، أصبح ضرورة ماسّة ولا يمكن الفصل بينهما.
ما هو أخطر مما سبق يكمن في أنّ الحكومات تمدّد من قانون الدفاع، خشية من ردّة عكسية خطيرة في حال إلغاء العمل به، فهنالك مؤشّرات واضحة أن شركات عديدة من القطاع الخاص ستقوم بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين والعمّال بدعوى تخفيف النفقات وترشيدها، وهو ما يمثّل تحدياً آخر لا يقل خطورةً نقوم بترحيله إلى "حين ميسرة"!
المطلوب اليوم ورشة عمل وطنية مكثفة تضم خبراء ومتخصّصين، مسؤولين في القطاع العام والخاص، ونخبا شبابية تضع معاً الإطار العام لمشكلة البطالة، وتشرّح أسباب ذلك وعوامله، ثم تضع تفصيلاتٍ واضحةً للسيناريوهات والمسارات المحتملة والبدائل والخيارات المطروحة، وصولاً إلى تبنّي خطّة وطنيةٍ برامجيةٍ عمليةٍ بمؤشرات رقمية واضحة لكل مرحلة من المراحل والأهداف المتعلقة بها، تنخرط فيها الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وتمثل خريطة طريق للتعامل مع هذه الجائحة الأكثر فتكاً من جائحة كورونا في أبعادها وتداعياتها المختلفة.
ثمّة بنود كثيرة وهائلة تقع ضمن إطار إشكالية البطالة؛ تبدأ من الاختلالات الواضحة في سوق العمل، والاختلالات ما بين التعليم ومخرجاته وسوق العمل، وضعف مردود التعليم المهني، وغياب التكامل في عمل مؤسّسات الدولة في إعادة هيكلة البيئة المحيطة بالشباب، وتوجيه الخطاب الإعلامي والسياسي والثقافي في الاتجاه الصحيح.
جيل الشباب اليوم على مفترق طرق حقيقي، وهو يواجه أزماتٍ متراكمةً، ويشعر بالبطالة شبحا يلاحق مستقبله ومصيره، وإلى أن يتحقق الحلم بإقامة حكومات حزبية برامجية بعد عقد، فإنّ معدل البطالة لا يمكن أن ينتظر هذا الوقت، ولا نستطيع أن نخسر أجيالا قد يستحكم بها اليأس والإحباط إلى تلك المرحلة.